منوعات

هل سجد يعقوب ليوسف ابنه حتى لو سجود تكريم ؟

تفسير دلالي

كتب د/ حربي الخولي
في قوله تعالى : “وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ ” فسر بعض أهل العلم ذلك بالقول : إن يوسف عليه السلام أجْلَسَ أباه وأمه – وفي رواية خالته – على سرير ملكه بجانبه؛ إكرامًا لهما، وحيَّاه أبواه وإخوته الأحد عشر بالسجود له تحية وتكريمًا، لا عبادة وخضوعًا، وكان ذلك جائزًا في شريعتهم، وقد حَرُم في شريعتنا؛ سدًا لذريعة الشرك بالله .


هنا نجد إشكالية وهي سجود يعقوب الأب لابنه يوسف حتى مع كون السجود للتكريم جائز في شريعتهم، وذلك لأن يعقوب عليه السلام كان أبا ليوسف وحق الأبوة عظيم قال تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا }، فقرن حق الوالدين بحق نفسه ، وأيضا أنه كان شيخا ، والشاب يجب عليه تعظيم الشيخ . وكان يعقوب من أكابر الأنبياء ويوسف وإن كان نبيا إلا أن يعقوب كان أعلى حالا منه . فهذا يوجب أن يبالغ يوسف في خدمة يعقوب فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب ؟ ولو كان السجود تعظيما وتشريفا ليوسف لكان الأولى أن يسجد يوسف لأبيه يعقوب الأولى بالتعظيم والتشريف ؟ والجواب عن ذلك أن ذلك السجود وإن كان في اتجاه يوسف، ولكنه ليس ليوسف – الذي جُعل كالقبلة مثل الكعبة التي يسجد في اتجاهها الناس لكنهم يسجدون لله بالقطع وليس للكعبة نفسها – وإنما هو سجود من أجل أنهم وجدوا يوسف، فكان السجود سجود شكر لله سبحانه وتعالى، فالضمير في قوله :” وخروا له ” أي لله وليس ليوسف ، ومن خلال هذه الآية نجد أن السجود كان من إخوة يوسف وليس من والديه، بدليل قوله :” رفع أبويه على العرش “؛ أي أجلس والديه على عرش ملكه، ثم قال تعالى :” وخروا له سجدا “؛ أي إخوته وإلا كيف سيسجد أبواه له وهم كانوا على العرش ؟ فيفهم أن الوالدين عندما دخلا أولا على يوسف سجدا لله شكرا، وكانوا في قمة السعادة وهما يريان يوسف بعد هذه السنوات الصعبة، فسجدا في اتجاه يوسف أي في اتجاه النعمة شكرا لله عليها ، ثم بعد ذلك احتضنهم يوسف وبكى معهما من السعادة، ثم أجلسهما تكريما لهما على عرش ملكه، وبعد ذلك دخل عليه إخوته الذين سجدوا كذلك شكرا لله على نعمة وجدان يوسف، وإزالة كرب أبيهم الذي تسببوا هم فيه، وتكفيرا عن ذنبهم، وطلبا لمغفرة الله، فوجَّه يوسف الحديث لوالده يعقوب قائلا له : هذا يا أبي الذي نراه الآن هو تفسير الرؤيا التي حكيتها لك وأنا صغير، من أنه سيسجد أمامي – وطبعا لله – إخوتي ندما وشكرا لله، وأنت وأمي سجدتما لله شكرا بسببي أن حفظني من مكر إخوتي وأعادني لكم ملكا مكرما .
وهذا هو الجواب عن قوله تعالى :” إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ” فالمعنى – والله أعلى وأعلم – اسجدوا لي مستقبلين وجه آدم ، وليس اسجدوا لذات أدم مثل سجودكم لله، وكانت سجدة اختبار التي تدل على أفضلية أدم عليهم، ولهذا رفض إبليس السجود لأدم لأن بسجوده يقر أن أدم أفضل منه وهو يرى في نفسه أنه أفضل من أدم .
والله أعلى وأعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى