أب مهجور يموت امام قسم الشرطة..قصة حقيقية تهز القلوب المتحجرة.
في مشهد مؤثر هزّ الضمير الإنساني، فارقت روح “عم عوف” الحياة أمام باب قسم الشرطة،. كان وجهه شاحبًا، وجلست عيناه الحزينتان في تجاعيد وجهه المختفي تحملتان كل آلام الدنيا، وهو يحاول كبح شهقات البكاء، وملابسه البالية تشهد على سنوات من المعاناة، جسده يرتجف كأوراق شجرة في خريف عاصف، وكأنه يحمل على ظهره أوزار العالم… او كظل هزيل يهيم على قارعة الطريق، يبحث عن دفء لم يجده…
اقترب منه رجل الأمن، يسأله عن سبب وجوده أمام قسم الشرطة في ذلك الوقت المتأخر ؟
“أنا جيت أعمل محضر ضد ابني” هكذا بدأ الرجل العجوز 72 عاما، كلماته بصوت مبحوح، “ابني اللي رماني في الشارع، وتركني ما بين دار المسنين والقهوة ”
طلب منه فرد الأمن بطاقته، لكن الاب كان مترددًا، خائفًا من أن يؤذي ابنه، وبدأ يبكي بحرقة ودموعه تسقط على يده المتجعدة، وكأنه يغسل ذنوب ابنه بدموعه، يحكي قصته المؤلمة، وقبل أن يكتب المحضر، فارقت روحه جسده..
مات “عم عوف” مفضلا الموت على أن يتسبب في الم لإبنه!
تعالوا نعرف قصة عم عوف مع ابنه وزوجته من البداية ..👇👇
في بيتٍ قديمٍ يكتسي حوائطه بآثار الزمن، كان يعيش رجلٌ عجوزٌ، وجهه مشربٌ بخطوطٍ عميقةٍ، وشعره أشيبٌ كالقطن. هذا الرجل، الذي قضى عمره كله في خدمة أسرته، يجد نفسه الآن وحيدًا مهملًا، يئنّ تحت وطأة قسوة الزمن وقسوة من أحبهم.
منذ سنوات كان عم عوف شابًا قويًا يعمل ليل نهار من أجل أسرته. كان ابنه الوحيد فوزي، فخر حياته، وحبه الذي لا ينتهي و كان يوفر له كل ما يحتاجه، ويحميه من كل سوء، ولم يتزوج بعد وفاة أمه ..لكن مع مرور الزمن، تغير كل شيء.
عندما كبر الابن وتزوج، بدأ ينظر إلى والده كعبء….. زوجته كانت تكره وجود الأب في المنزل، فطلبت من زوجها أن يضعه في دار مسنين. وافق الابن على مضض، وترك والده وحيدًا في ذلك المكان، كان الابن يزور والده مرة في الشهر، لكن زياراته كانت قصيرة وباهتة. وبعد فترة، طلبت إدارة دار المسنين من الابن دفع إيجار غرفة والده، لكنه لم يستطع. اضطر إلى إحضار والده إلى شقته، لكن زوجته كانت تعامله بقسوة شديدة. كانت تتركه جائعًا وعطشًا، ولا تعطيه أدويته،. كان يجلس وحيدًا في غرفة مظلمة، يتضرر جوعًا، ويعاني من الآلام.
في بعض الأحيان، يهرب الأب من البيت، ويتجول في الشوارع، يبحث عن أي شخص يحنو عليه، أو يعطيه قطعة خبز، يجلس احيانا في المقاهي، يستمع إلى أحاديث الناس، ويتمنى لو أن أحدًا يسأله عن حاله….
وعلى مقعد خشبي في حديقة صغيرة، جلس الرجل العجوز يحدق في السماء البعيدة، يذكر أيام شبابه، عندما كان يحمل ابنه بين ذراعيه، ويحلم بمستقبل مشرق له. لكن الأحلام تبددت كالصحراء تحت أشعة الشمس الحارقة، الآن يجلس وحيدًا، مهجوراً مقهورا من قبل من كان أغلى ما يملك، وتصادف وجود أحد المحامين، الذي نصحه باللجوء إلى قسم الشرطة لعمل محضر ضد ابنه.
وقف الوالد العجوز أمام باب القسم يبكي بحرقة، وهو يتذكر كل ما فعله من أجل ابنه. وفي تلك اللحظة، فارقت روحه جسده، تاركة وراءها قصة مؤلمة عن العقوق والجحود، ولم يكن يعلم أن نهايته ستكون هنا، في هذا المكان البارد، بعيدًا عن أحضان من كان يفترض بهم أن يحموه…
محمد عبدالجليل
كاتب وصحفي مصري