جيش الاحتلال الإسرائيلي وحرب الأرض المحروقة في غزة

سياسة الأرض المحروقة هي أحد الأساليب العسكرية التي تستخدمها بعض الجيوش في الحروب والنزاعات.
وتعني هذه السياسة تدمير كل شيء يمكن أن يكون مفيدًا للعدو، بما في ذلك الممتلكات والمنشآت والمنازل.. ويأتي قطاع غزة في صدارة الأماكن التي تعاني من هذه السياسة المدمرة بشكل خاص.
ففي العديد من الحروب السابقة التي شهدتها غزة، اعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة بشكل واضح ومروع.. لكن ما يحدث في الحرب الحالية فاق كل الخيال ولم يحدث في تاريخ الحروب السابقة باستثناء ما ارتكبه الجيش الأمريكي في جزيرتي هيروشيما ونجازاكي في الحرب العالمية الثانية..فكل شوارع القطاع مدمرة، والخراب في كل مكان، فالاحتلال كما يكشفه الواقع المرير الذي تنقله عدسات ومراسلي القنوات الفضائية دمر 60% من مباني القطاع خلال نحو شهرين من الحرب القذرة، وهي النسبة تفوق ما خسرته سورية من المساكن في عامها الرابع من الحرب، حسب تقارير الأمم المتحدة .
وتشير الأرقام والتقارير أن العدو الإسرائيلي استخدم أكثر من 10 آلاف قنبلة وصاروخ، وتوصلت وحدة التحليل في ال” بي بي سي” إلى أن قرابة 98 ألف مبنى في قطاع غزة تعرض للدمار، مع تمركز معظمها في مناطق الشمال وكذلك تدمير حوالي 300 ألف وحدة سكنية، مما أدى إلى تشريد الآلاف من الأسر وتفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.
ويعد تدمير هذا العدد الهائل من الوحدات السكنية جريمة حرب وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. فالمنازل هي ملاذ الأسر ومكان للحماية والأمان، وتدميرها يعني تجريح النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع.
وكان القطاع الصحي أحد أولويات الأهداف العسكرية، الذي دمر الاحتلال منظومته التشغيلية وأخرجها من الخدمة تحت مبررات واهية وادعاؤات ثبت عدم صحتها وكذبها.
فقد ادعى ان مجمع الشفاء والمستشفى الإندونيسي وغيرهما، يتم استخدامها من طرف حركة حماس بِنيةً تحتية لأغراض عسكرية؛ إذ يَعُدُّها مراكز للقيادة والسيطرة وإدارة العمليات العسكرية وتخزين الأسلحة وإيواء المقاتلين، وأن هناك أنفاق أسفل مجمع الشفاء..
ولتأكيد مزاعمه، عرض الجيش الإسرائيلي فيديو توضيحيًّا لما وصفها بمعلومات استخبارية دامغة على وجود الأنفاق تحت المجمع الذي يُشكِّل في نظره “القلب النابض” لعمليات الحركة.
وقد اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، بأن إسرائيل هي التي أنشأت الملاجئ وحفرت الأنفاق الموجودة تحت مستشفى الشفاء قبل 40 أو 50 عامًا وليس حماس هي التي أعدتها.
كما جاءت الضربات الجوية والتقارير المواجهة في اطار ممنهج لتدمير البنية التحتية مثل المشاريع الحيوية والخدمية والمدارس والطرق ..والسؤال الذي يطرح نفسه أليس تدمير المؤسسات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية (المساجد والكنائس) هدفًا إستراتيجيًّا للاحتلال الإسرائيلي من أجل التهجير القسري للسكان سواء في أماكن أخري في القطاع المأهول بالسكان وذلك في اطار خطة عمل منطقة آمنة بين القطاع والأراضي المحتلة، أو تهجيرهم الى سيناء المصرية وبالتالي تحقيق هدف التطهير العرقي للفلسطينيين وإنهاء جميع مظاهر الحياة في غزة؟
فالمعروف أن قطاع غزة يعاني بالفعل من أوضاع صعبة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ سنوات.. وتزداد هذه المعاناة بسبب سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها جيش الاحتلال الإسرائيلي. وتتطلب الأوضاع الإنسانية المأساوية في غزة تدخلاً فوريًا من المجتمع الدولي لوقف هذه الجرائم والعمل على إعادة إعمار المناطق المدمرة وتوفير الحماية للمدنيين الأبرياء.
شريف حمادة
كاتب وصحفي مصري