الاعتكاف.. شروطه ومبطلاته.. وهل يجوز اعتكاف المرأة؟

كتب شريف حمادة:
مع دخول العشر الأواخر من رمضان المبارك زاد الحديث عن الاعتكاف وحكمه وأحكامه وهل يجوز للرجل أو المرأة الاعتكاف في البيت، في ظل التقييد الذي تشهده دول عديدة على الاعتكاف في المساجد؟.
الاعتكاف في اللغة العربية: لزوم الشيء وحبس النفس عليه، أما المقصود بالاعتكاف في اصطلاح الشرع هو: “المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى”.
حِكمته وحُكمه
وقد أكد جمهور العلماء أن الحكمة من تشريع الاعتكاف أمور كثيرة أهمها: “شـُرع للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالتفرغ لعبادته وذكره وتسبيحه واستغفاره وقراءة القرآن، وبالانقطاع عن الناس والتخفف من الشواغل لأجل ذلك التقرب تزكية للنفس وتنقية للقلب”.
وقد أجمع أهل العلم أن الاعتكاف “سنة”، ويرى بعض المذاهب الفقهية أنه “سنة مؤكدة” في العشر الأواخر من رمضان، لكن يجب الاعتكاف إذا كان منذورا.
والدليل على أنه سنة كما يقول أهل العلم هو قول الله تعالى: “وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ” (سورة البقرة، الآية: 187)، وقوله: “أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ”(سورة البقرة، 125).
وقد ثبت اعتكاف الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في أحاديث صحيحة بعضها رواه البخاري ومسلم، ومن بعده اعتكفت زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وبعض أصحابه رضي الله عنهم.
كما اتفق جمهور العلماء على أن الاعتكاف يُسنّ في كل وقت في رمضان أو غيره، وأفضله في رمضان ومؤكده ما كان في العشر الأواخر منه، ولا حد لأقله من حيث مدته عند بعض العلماء، ويرى آخرون أن أقله يوم أو يوم وليلة (24 ساعة).
ولفت أهل العلم أنه يُستحب للمعتكف الاشتغال بما يتقرب به إلى الله تعالى كالصلاة والاستغفار والذكر وقراءة القرآن والتسبيح، وتعليم القرآن الكريم والحديث النبوي وتدريس العلم. وكذلك اجتناب ما لا يعنيه من كل قول أو فعل يشغله عن اعتكافه.
شروط الاعتكاف
قال جمهور العلماء إن الاعتكاف يصح من كل إنسان مسلم عاقل بالغ أو مميز سواء أكان ذكرا أو أنثى، ويجب أن يكون المعتكف طاهرا من الحدث الأكبر (الجنابة)، وأن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الصلاة للآيتين المتقدمتين، وأفضله ما كان في المساجد الثلاثة المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس.
كما يصح الاعتكاف من غير صوم عند أكثر العلماء لأنه مستحب عندهم لا واجب؛ والأوْلى بالمعتكف أن يصوم أو يعتكف في وقت الصيام (رمضان مثلا). ويجوز للمعتكف التنظف والتعطر والتزين في الملبس والمظهر.
ويبطل الاعتكاف بحصول أحد الأمور التالية:
1- الجماع إذا كان مرتكبه عامدا عالما ذاكرا لقول الله تعالى: “وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ” (سورة البقرة، الآية: 187).
2- الخروج من المسجد، ولا يبطله الخروج لقضاء حاجة دورة المياه، أو للوضوء والاغتسال الواجب، أو للأكل والشرب إن لم يستطع إحضاره إلا بالخروج، أو لعلاج من مرض شديد.
3- الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة عند أكثر العلماء.
أين تعتكف المرأة؟
واكد جمهور العلماء أنه لا بأس أن تعتكف المرأة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو أي مسجد آخر، بشرط أن لا يكون هناك فتنة، فالمشاهد للمسجدين الشريفين المسجد الحرام والمسجد النبوي يرى أن الأفضل أن لا تعتكف المرأة في المسجد؛ لأنها لا يمكن أن تنفرد بمكانها، بخلاف الأمر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه يمكن أن تضرب المرأة خباءاً لها في المسجد وتبقى فيه، لكن في الوقت الحاضر لا يمكن هذا، فقد يحصل في اعتكافها من الشر والبلاء والفتنة ما لا ينبغي أن يكون في المسجدين، ربما تنام المرأة في مكانها فيمر الناس منها ذاهبين وراجعين، وربما تتكشف لأن بعض الناس إذا نام لا يحس بنفسه، بل أكثر الناس.
ورأى جمهور العلماء أنه لا ينبغي للمرأة أن تعتكف في المساجد، ولو فرض أن هناك مساجد فيها أمكنة خاصة للنساء وأرادت أن تعتكف المرأة فيها فلا بأس، لكن بشرط أن لا تضيع شأن بيتها وزوجها وأولادها؛ لأن مراعاة بيتها وزوجها وأولادها أهم من أن تعتكف في المسجد، وهو أفضل لها لأنها تؤدي واجباً والاعتكاف ليس بواجب.
وأكد جمهور العلماء على أن الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد، وأنه لا يجوز الاعتكاف في البيوت، وحكى بعض العلماء الإجماع على هذا.
وأما مساجد البيوت: فهي أماكن الصلاة فيها. وليس لها أحكام المساجد الموقوفة، فلا يصح الاعتكاف فيها، ولا يمنع الحائض والجنب من المكث فيها، والصلاة فيها ليس لها فضيلة الصلاة في المساجد.
وما جاء عن بعض السلف من الاعتكاف في مساجد البيوت مخالف لظواهر النصوص، ولما عليه عامة أهل العلم، فلا ينبغي التعويل عليه.
جاء في فتح الباري لابن رجب: مساجد البيوت، هي أماكن الصلاة منها، وقد كان من عادة السلف أن يتخذوا في بيوتهم أماكن معدة للصلاة فيها.