الحكومة المصرية تتخلى عن الغلابة والبرلمان يبارك!!
أعلن مجلس النواب المصري أمس موافقتة علي قانون المنشآت الطبية المثير للجدل، والذي يتيح للحكومة طرح المستشفيات الحكومية للإيجار أمام المستثمرين المصريين أو الأجانب .. ولمن لا يدرك خطورة القانون.. فعليه قراءة هذه الكلمات حتى يعي حجم الكارثة التي ترتكبها الحكومة المصرية بموافقة البرلمان.
فمشروع القانون الجديد والذي يعد جريمة في حق المصريين .. ينص على أن مدة التعاقد بين وزارة الصحة و أي مستثمر يرغب في تأجير أي مستشفي لا تقل عن 3 سنوات ولن تزيد عن 15 سنة، كما يلزم القانون المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25% “فقط” من العاملين في المنشأة الصحية -المعينين من قبل وزارة الصحة- وبالتالي يمنحه بدون لبس أو ريب الحق في أن يستغنى عن 75%، سواء أطباء أو أطقم تمريض أو فنيين وعمالة.. وأعتقد أن هذه كارثة في حد ذاتها، لأنها سوف تزيد من عد المتعطلين في مصر وسوف يفقد أصحاب عوائل مصدر رزقهم، وقد تحدث عن ذلك عنه نقيب أطباء مصر في أحد برامج التوك الشو المصرية..
والجريمة الثانية تتمثل في أن تأجير المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص أمر ليس به أي ضمانات سواء في تقديم الخدمة الصحية الجيدة أو حتى الحفاظ على حقوق المرضى من خلال تقديم خدمة بأسعار تناسب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطن المصري..ورغم أنه حق دستوري إلا أن الحكومة والبرلمان تخلوا عن تحمل مسئولياتهم بالحفاظ على المستشفيات وتطويرها.
فمن المعروف أن المستثمر باستمرار يبحث عن الربح السريع، وبالتالي لن يقدم الخدمة الصحية بالمجان أو حتى بمقابل زهيد قد يعرضه لخسارة ماله .. وأعتقد أنه سيضاف عبئا جديدا على المواطن الفقير في ظل عدم وجود نظام تأمين صحي جيد يغطي تكاليف الخدمات الصحية المقدمة لهم .. وهذا يذكرنا بمقولة” إللي معهوش مايلزموش” وهو ما قد يعرض حياة الكثيرين لمخاطر الموت لعدم وجود نفقات العلاج والتداوي.
يذكر أن، هناك نوابا قد حذروا من مساوئ القانون ومخاطره المستقبلية أثناء مناقشته قائلين، إن المستشفيات التي سيتم طرحها للإيجار سوف تكون المستشفيات المهمة مثل كل المصانع والشركات التي تم بيعها مؤخرا لشركات إماراتية وسعودية، رغم أنها كانت رابحة ومهمة للأمن القومي المصري، فالقانون الجديد لم ينص على آية ضمانات تحمي المواطن وتحافظ على عدم المساس بالمستشفيات العامة.
كما حذر نواب من عدم قدرة كثير من المواطنين المصريين من تحمل نفقات العلاج الاستثماري، لدرجة أن هناك نائبة وصفت أمس بأنه يوم أسود في تاريخ مصر ، ومع ذلك تسابق بقية النواب في ظل وجود وزير الصحة بإقرار مشروع القانون مننفذين التعليمات دون أن تتحرك لهم شعرة رغم المخاطر التي أثيرت وتهدد المواطن المصري.
الغريب أن المستشفيات الحكومية كانت خط أحمر في فكر الأنظمة السياسية السابقة التي حكمت مصر ، كما تم استبعادها من وثيقة ملكية مصر نظرا لأنها أمن قومي للمواطن ، ونظرا لأن الدولة تحصل من المواطن الضرائب والرسوم لتنفيذ المشاريع العامة وتقديم الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، إلا أن الرئيس السيسي هو الذي طلب في أكتوبر 2023 ، أن يتم ضم المستشفيات لوثيقة ملكية مصر، بل وفتح الباب على مصراعية لمشاركة المستثمرين ، وأكد أنه لا مانع أن تبني الحكومة المستشفيات وتسلمها لمستثمرين لتخفيف الأعباء عن الحكومة.
أما الأغرب أن السيد وزير الصحة، خالد عبدالغفار، قد برر مشروع القانون بأن الإمكانيات المتاحة للوزارة غير كافية لتقديم الخدمات الملائمة طبقا للمعايير الموضوعة، ودور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تحسين الخدمة، وأعتقد أن هذا التصريح به تناقض مع ما سبق وأعلنته الحكومة من أن أولوية موازنة الدولة في العام المالي الجديد لقطاعي الصحة والتعليم.
كما أن تسليم المستشفيات إلى القطاع الخاص يوحي ويؤكد أن الحكومة غير جادة في زيادة الإنفاق على قطاع الصحة، حيث تبرر الخصخصة بضعف الإمكانيات، في تكرار لنفس الوعود التي تقطعها مع الشارع بشأن ملفات بالغة الحساسية.
وما يوضح تناقض التصريحات هو قول السيد وزير المالية محمد معيط مؤخرا بأن الحكومة قررت التركيز على التنمية البشرية في السنوات الست المقبلة، ويظهر ذلك في زيادة الإنفاق على قطاع الصحة بنحو 25 في المئة، والتعليم بنسية 45 في المئة، معتبرا أن “هذا التزام من الحكومة سيظهر تطبيقه مع السنة المالية الجديدة المقرر أن تبدأ مطلع يوليو المقبل”، في الوقت نفسه تتخلص الحكومة بمساعدة بالرلمان من مستشفيات الغلابة.
وبصراحة شديدة فإن الموضوع لم يكن وليد الصدفة بل كانت له شواهد أوحت إلى الشارع السياسي بأن الحكومة تتعامل مع مستشفياتها باعتبارها عبئا مطلوبا الخلاص منه، حيث رفعت أسعار العشرات من الخدمات الطبية في المستشفيات وصرف علاج مجاني واحد للمريض، على أن يشتري الأدوية الأخرى من ماله الخاص، فإذا كانت الحكومة تفعل ذلك وهي مسئولة عن المستشفيات فما الحال عندما يكون المسئول هو المستثمر الذي لن يخوض تجربة الاستحواذ على صرح طبي إلا وهو يُدرك حجم المكاسب التي سيجنيها منه، وسيكون ذلك من جيوب البسطاء ومتوسطي الدخل.
أنا أذكر الرئيس السيسي أنه قال إبان ترشحه للرئاسة: ” أن المواطن المصري لم يجد من يحنو عليه” ، وفي ظل الخطوات الاقتصادية التي اتخذت خلال السنوات الماضية وأهمها تحرير سعر الصرف وتعويم الجنية زادت الأعباء وأصبح المواطن المصري محاصر بالهموم من كل جانب وغارق في الديون حتي الرأس فرحة بالغلابة .