الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب: تأملات في عظمة القرآن!!
“الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا”، بهذه الكلمات الجليلة تفتتح سورة الكهف، لتذكرنا بنعمة القرآن الكريم، هذا الكتاب الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. إن في هذه الآية حمدًا عظيمًا لله عز وجل، الذي أكرم البشرية بأعظم هدية، وهي القرآن. فهي نعمة لا تضاهيها نعمة أخرى، واحتفاء إلهي يتجاوز حدود الإدراك البشري.
نعمة لا تقاس
الحمد لله الذي حمد ذاته العلية على إنزال القرآن، هذه النعمة التي تفوق كل تصور بشري. إن في هذا الإعلان الإلهي دعوة للإنسانية، عربها وعجمها، للإدراك بأن القرآن هو أعظم نعمة في هذا الكون. ولأن هذه النعمة لا يمكن أن تقاس بأي مقياس مادي، فقد اختص الله نفسه بالحمد على هذه النعمة البهية، إعلانًا لعظمتها المطلقة.
القرآن: كلمة الله الحية بيننا
إن الله سبحانه وتعالى يخبرنا أن الوحي الذي انقطع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قد أصبح حيًا في قلوبنا وعقولنا من خلال القرآن الكريم. فكلمته الأخيرة، رسالته الخالدة، لا تزال بيننا، مرشدة وموجهة. الحمد لله، الذي جعل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم واسطة بينه وبين كتابه، فلا يكون بينهما حاجز. فالله تعالى قد حفظ نبيه في الدنيا والآخرة، فهو العابد الأكبر والخليل الأول.
عبودية تفتح أبواب القرب
اختار الله كلمة “عبده” ليؤكد على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي استحق هذا المقام العظيم بفضل عبوديته الكاملة لله. فكل من أراد نصيبًا من هذه القربى والرفعة، فباب العبودية مفتوح، والترقي ممكن لكل من تحقق بعبوديته. إن العبودية هي الطريق إلى القرب من الله، فمن يسلك هذا الطريق، يرفع إلى مقامات الرضا والقرب الإلهي.
سورة الكهف: سورة الفتن والحمد
تأتي سورة الكهف لتعلمنا الحمد في كل حال، فهي سورة الفتن التي تتناول تجارب أصحاب الكهف، وصاحب الجنتين، وموسى والخضر، وذي القرنين. فتحمد الله على النجاة من “فتنة الدين” كما نجا أصحاب الكهف، وتحمده على النجاة من “فتنة المال” كما حدث مع صاحب الجنتين، وتحمده على النجاة من “فتنة العلم” كما نجا موسى من الفتنة مع الخضر، ثم تحمده على النجاة من “فتنة السلطان” كما نجا ذو القرنين. وتعلمنا السورة أن كل بلاء قد يكون في ظاهره شرًا، لكنه يحمل في طياته خيرًا ورحمة، كما في قصة السفينة والغلام.
الحمد لله في الدنيا والآخرة
الحمد لله، هي الكلمة التي تملأ بها ميزان أعمالك، وتفتح لك أبواب الجنة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: *”والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض”*، فهي كلمات تثقل الميزان وتغمر الكون. بل إن الله عز وجل يبني بيتًا في الجنة لمن فقد ولده وحمده، ويُسمى *”بيت الحمد”*.
مفتاح السعادة والرضا
الحمد لله هو مفتاح الرضا والتسليم لقضاء الله وقدره، سواء في السراء أو الضراء. فمن يحمد الله في كل حال، يكتسب قلبًا لا يشكو ولا يتذمر. إن الله يحب عباده الحامدين الذين يقابلون أقداره بالرضا، ولا يتركون الشكوى تفسد قلوبهم. وهكذا، يصبح الحمد صلة بينك وبين السماء، ومفتاحًا للسعادة والسكينة في الدنيا والآخرة.
إن الحمد لله هو جنتنا في الدنيا وميزاننا في الآخرة. علينا أن نحمد الله في كل وقت وحال، على نعمة القرآن وعلى كل ما قسمه لنا من أقدار. فالحمد لله هو أساس القرب من الله، ومن خلاله نحقق الرضا الداخلي والقرب من الخالق. فلنبنِ لأنفسنا “بيت الحمد” في الدنيا، لننال به الحمد والرضا في الآخرة.
د. ممدوح المنير
كاتب مصري