منوعات

الصورة البصرية في قوله ” بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا “

بيان بصري إعجازي

كتب د/ حربي الخولي
في سورة هود قال تعالى :”وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41)” ستلاحظ تحت راء ” مَجْرَاهَا” صورة معين صغير ◊ للدلالة على الإمالة؛ أي أن تنحو بالألف نحو الياء وبالتالي تكسر الراء كسرة صغيرة وأنت تقرأ، والأصل ،ن تفتح الراء لأن بعدها ألف، فما دلالة الإمالة هنا ؟


قرأ كل القراء هذه الكلمة بالإمالة ونادرا ما وجدنا من شذ وقرأها بدون إمالة ، والملاحظ أن كلمة “مجراها ” مصدر ثلاثي من الفعل جرى ، وهي كذلك اسم مكان واسم زمان، – وهناك قراءة تضم الميم “مُجراها ” مع الإمالة فتكون وقتها مصدرا رباعي من الفعل أجرى – كما نجد أن كلمة “مُرساها” مصدر من الفعل الرباعي “أرسى”، وهي كذلك اسم مكان واسم زمان، وتعني كلمة “مَجراها” أي جريان السفينة ووقت ذلك الجريان وزمان ذلك الجريان، كما تعني “مرساها” إرساء السفينة ومكان الرسو ووقته؛ يعني بسم الله جريها ومكان جريها وزمان جريها ، وبسم الله إرساؤها ومكان إرسائها وزمان إرسائها، ولو قال بسم الله جريها لكان المعنى بسم الله جريها فقط دون تحديد المكان أو الزمان، لكن مجراها تعني بسم الله الجريان ووقته ومكانه، ونجد أن الإمالة من البيان الإعجازي، فهي تصور حركة جريان السفينة في البحر وكأننا نشاهدها، فكما أن الإمالة هي التوسط بين الألف والياء؛ أي تميل بالألف نحو الياء، فكذلك كانت حركة السفينة في ذلك الموج العاتي، فهي تسير متوسطة في حركة رخية لا هي حركة شديدة مضطربة تخيف من يركبها وهم غير معتادي ركوب السفن، ولا حركة بطيئة جدا تجعل السفينة كأنها تقف في مكانها لا تتحرك فيرى الناس أهلهم الضالين وهم يغرقون فيشتد الأمر على أنفسهم، فكانت الإمالة تدل على ذلك صوتيا، ولم توجد الإمالة في ” مُرساها ” لأن الإرساء يحتاج لثبات وقوة لا تناسبه الإمالة التي تدل على التوسط والرخوة . وجاء ختام الآية في قمة الإعجاز في قوله :” إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ” ولم يقل :”إلهي”؛ لأن الرب هو المعلم والموجه والمرشد، الرب أنسب اسم لأنه يوجههم، فرئيس الملاحين في السفينة يسمى رُبّان والربان من الرب لأنه يوجهها إلى المسار الصحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى