منوعات

الفرق بين ” مَن يَرْتَدِدْ ” و ” مَنْ يَرْتَدَّ “

جِبْلَةُ بْنُ الأَيْهَمِ مثالا

كتب د/ حربي الخولي
﴿ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢١٧﴾ ﴾ [البقرة آية :٢١٧]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) المائدة)ما الفرق بين (يرتد)و(يرتدد)؟

من الناحية النحوية لا فارق بينهما، فللمضارع – من الفعل المضعف الثلاثي، في حالة الجزم – : لهجتان هما : لهجة تميم، وهي التضعيف، وعدم فَكّ الإدغام وعليه قوله تعالى ” مَنْ يَرْتَدَّ ” . ولهجة الحجازيين، وهي فَكّ الإدغام وعليه قوله تعالى ” وَمَن يَرْتَدِدْ ” . أما من ناحية البلاغة والدلالة فأقول – والله أعلى وأعلم بالصواب – أن من يرتد تدل على تمام الارتداد والرجوع عن الإسلام بكامل إرادته ودون أي ضغط ، فهذا يُطرد من رحمة الله ولن يضر الإسلام خروجه شيئا، بل إن الله يؤيد الإسلام دائما بما هو خير منه، حيث يأتي الله بقوم خير منه يحبهم ويحبونه، كما حدث في قصة جِبْلَةُ بْنُ الأَيْهَمِ آخر ملوك الغساسنة في الشام، والذي أسلم في أيام الخليفة عمر بن الخطاب ثم استأذنه في القدوم عليه، ثم قدم إلى المدينة ولما دخل على عمر رضي الله عنه رحب به وأدنى مجلسه ، ثم خرج في موسم الحج مع عمر رضي الله عنه فبينما هو يطوف بالبيت إذ وطئ على أزاره رجل فقير من بني فزارة، فالتفت إليه جبلة مغضبا فلطمه فهشم أنفه، فغضب الفزاري واشتكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث إليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف فهشمت أنفه ؟ فقال : إنه وطئ إزاري ولولا حرمة البيت لضربت عنقه. فقال له عمر : أما الآن فقد أقررت فأما أن ترضيه وإلا اقتص منك بلطمك على وجهك. قال : يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ؟! قال عمر رضي الله عنه : يا جبلة إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه، فما تفضله بشيء إلا التقوى. قال جبلة : اذن أتنصَّر. قال عمر رضي الله عنه : من بدل دينه فاقتلوه. وحدثت منازعة بين بني جبلة وبني فزارة كادت تؤدي إلى حرب دامية، وبعدها أجلت الحرب إلى غد، وحينها لما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكة وسار إلى القسطنطينية فتنصَّر، ثم ما زال على نصرانيته حتى مات . فهذا ارتد مقتنعا بالارتداد، ناقما على بعض تعاليم الإسلام، لذا فعاقبته الخسران ولن يوفقه الله للتوبة وسيستبدل به من هو أفضل منه .
أما من يرتدد عن دينه، فيلاحظ في الفعل أنه أقرب للتردد من الارتداد، حيث يعني أن “المرتدد” هنا تعني أنه متردد بين الثبات على الدين والخروج عنه، وقد تكون هناك مغريات دافعه للخروج عن الدين، أو عدم فهم صحيح، أو ضغوط نفسيه يمارسها البعض والإعلام عليه من أن الإسلام ليس صحيحا، ومع ذلك فقلبه غير مقتنع الاقتناع التام بالخروج عن الإسلام، ويكون مترددا في الخروج، هنا يحذره الله قبل أن يخرج ويرتد تماما، ذاكرا له أنه وهو في حالة تردده هذه قد يموت وهو كافر فيحبط عمله؛ بمعنى كل ما قدمه من خير سيفسد ولن يأخذ اجره ويدخل النار، فعليه بالإسراع في حسم أمره والعودة اليقينية للإسلام وإلا صار من النوع الأول الذي ارتد ويموت على الكفر . هذا والله أعلى وأعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى