القلوب كالأوطنان لا تحرر بالكلام !!
اتكأ على نفسه من الوهن، على ذراع أقوى من ذراعه تشعره بالأمان، عندما يحتمي بدفئها،
ويخفي ضعفه في ثناياها، مراقبا خلسة ساعة يده، وقبل أن يرتد إليه طرفه رفع رأسه ليلمح ساعة الحائط العتيقة، لقد توقفت وتوقفت معها أحلامه ، لم يلحظ خيوط الشمس النيرة تتوارى خلف الأفق، ولا أدرك المساء وهو يختفي بين حنايا شتات أفكاره في هدوء.
ألقى بنظره دون إرادة منه صوب ساعة يده مرة أخرى، لا ليراقب الوقت بل ليرى ملامح وجهه المرهقة، والتي بلورتها حركات العقارب على الأرقام كما اعتادها منذ صغره، شاهد ملامحا لا تشبهه، دقق النظر فازداد يقينا بأنه ليس هو أو على أقل تقدير طيف يشبهه قليلا ، تنهد بحرقة عندما أدرك أن الحياة مجرد رحيل.
انتفض من مكانه، لقد تسربت سنوات عمره في غفلة منه، وزحفت الشعيرات البيضاء في ظلام رأسه؛ لتكشف له أشياء ربما تغافلها عمدا.
– لماذا يعيش وحيدا؟! ماأقسى مفارقات الحياة، عندما يصبح الكون كله ظلاما دامسا، من دون ألوان أو ملامح.
– وأين من كانت تملئ حياته صخبا بالسعادة؟! همساتها نبض يحترق، صدى صوتها يرن في أذنه، حتى من فرط مرحها كان يخشى أن يحسد نفسه، دمعت عيناه؛ لتروي ذاك الحزن الراسخ في ملامحه.
تأوه من أثر حقنة الدواء، بادره الطبيب ، أتبكي ؟! ألهذا الحد لم تعد قادرا على التحمل.. الوجع ما زال .. فيما كنت تفكر ؟ .. قال: لا شيء.. كنت فقط أتكأ على نفسي من الوهن .
تظاهر الطبيب بأنه فهم، ثم قال: قلبك محتاج للراحة. وانصرف وهو يتمتم بكلمات تنم عن استفسارات كثيرة ، تاركا الألم محتلا ومستوطنا قلب مريضه ، فالقلوب كالأوطان لا تحرر بالكلام.
بقلم : د. يحيى خيرالله
سياسي وكاتب مصري