اللاواقع.. سيقع حتما …بس خلاص!!!

لم يعد الليل الحالك مستقر الهموم الدفينة الدائمة في رأسه.. تسربت خطوط الفجر الفضية رغما عنه.
لتطرد الظلام بهواجس أحلامه.. ويحل محله نهار مليء بالغيوم.. على الرغم من عدم وضوح الرؤية.
ليصبح شعره ليلا سامرا يعانق النهار.. اتكأ على همومه متنهدا.. و إذ به يسمع مناجاة بداخله:
مالك..
فيه إيه ..
خايف؟ ..
من إيه؟
مفيش حاجة تخوفك.. أنت نسيت ولا إيه.. إنت بطل..
انتفض ..
باحثا عن مصدر الصوت.. لم يجد أحدا.. وهو يمسح براحة يديه على وجهه.. حدث نفسه
قائلا وهو يلهث: اللهم اجعله خير..
وبأنامله عبث بتلك الشعيرات البيضاء الزاحفة وكأنها جيوش الاحتلال.. يقولون أنه الوقار بعينه..
استدار مرة أخرى..
من أين الصوت..
لا أحد..
ألقى بنظره إلى الأفق البعيد حيث السحابة جواد كستنائي شارد..
أجل..
إنه حصان الذكريات.. الذي امتلكه في صغره.. وهو يستذكر طفولته رنت تلك الكلمات الرقيقة بنبرة العجز والشيخوخة.. وصوت الحنو والمحبة.. إخترقت سمعه كلمات قالتها جدته:الرعد والبرق دا معناه إن حصان الشتاء يطارد حصان الصيف. نعم جدتي كانت تقول ذلك.. فيمتطي أحد الجوادين ليصنع لنفسه بطولات عنترية..
وكأنه حاكم يحاول تدوين التاريخ لنفسه.. منطلقا إلى الفضاء ليحطم الأساطير التي رسمها في مخيلته ؛ ليصنع من شخصه المقدام ذاك البطل الهمام النادر وجوده..
وبينما هو كذلك..
انزلق من فوق همومه.. اختل توازنه واستفاق من غفلته.. إلى أن طرحه الجواد أرضا..
وعلى الرغم من ذلك..
يستمر هو في تدوين بطولاته التي اختلقها دون رقيب.. متغافلا بأنه لا يصح له أن يكتب التاريخ من صنع الحدث.. مرددا لنفسه:- أنا كل شيء…
ينتفض من مكانه لينظف ملابسه من أثر السقوط لا من الجواد.
همس في نفسه: لماذا تكابر.. عجبك كدا!
وجد نفسه ملقى على الأرض..
صرخ من شدة الألم في القلب.. مازالت كلمات الطبيب تتكرر كوقع الصدى.. وكأنه همس في أذنه:- دي ذبحة صدرية عنيفة. تنازل حينها عن جميع بطولاته رغما عنه.. وتخلى عن جواده مستسلما.. تلاحقت نظراته نحو السماء تذرعا لرب الكون.. لم يعد يقوى على الكلام.. استجار قلبه الرقيق.. يرجو خالقه.. مستغيثا قائلا :- يا مالك الملك..اللهم بفضل أسمك الاعظم .. صمت ولسان حاله ينطق
(علمك بحالي يغنيك عن سؤالي) .. ربت عامل القطار على كتفه برفق: حمدا لله عالسلامة يا بيه.. وصلنا خلاص..
فتح عينيه.. مكان غريب.. خفت الإضاءة تدريجيا في غرفة العمليات.. نظرات الطبيب تتابعه .. قائلا وهو يغادر: – ربنا يستر.. أنا عملت كل ما بوسعي..
القطار يقترب من المحطة.. مطلقا صفيره.. ولم يقف بعد…
تتلاحق نبضات القلب بهزات عربات القطار.. قام بتنظيف الفرشاة التي كان يرسم بها.. ثم وضع اللوحة التي رسمها في ركن الغرفة.. وعينه تتابع الجواد
والطبيب والقطار.. والهموم التي كان متكئا عليها.. استفاق من نومه.. بل كان في القطار عائدا من سفره..
كلا تلك أضغاث أحلام أثر العملية الجراحية التي استفاق منها بأعجوبة.. أخيرا وجد نفسه في مرسمه.. وهو ينظف يده من الألوان.. سأل نفسه سؤالا.. هل بوتين وراء ما يحدث من انقلابات في إفريقيا ليشعل التوتر في أوربا؟..يا إبن الجنية يا بوتن . بس خلاص.
بقلم : د.يحيى خيرالله
كاتب وسياسي مصري