بيض التراكوة .. ” يفقس ” فشل الحكومة
المتابع للحياة العامة فى مصر يكتشف أن مافيا الإحتكار تسيطر على جميع الأسواق وذلك يرجع لعدة أسباب أهمها أن جميع الأجهزة الرقابية بما فيها ما يسمى بجهاز حماية المستهلك ومنع الممارسات الإحتكارية فى قفص الإتهام وجميع موظفيها متهمون بالتسبب فى حدوث إنفلات فى كل شىء داخل الأسواق كل ما يشغلهم هو الحصول على ” السبوبة ” والحصول على كل أنواع الرشاوى مادية كانت أو غيرها المهم هو غض الطرف عن أى فساد تشهده الأسواق.
ومن بين الأسباب أيضا أن مسئولى الحكومة دائما ما يبحثون عن الحلول السهلة ومنها ” مد الإيد ” والإتجاه نحو الإقتراض أو حرمان المواطن من أى مزايا والقضاء على ما يسمى الدعم أو ضبط القبلة على مؤشر الإستيراد ، وكل هذه بدائل لعدم جرأة الحكومة على مواجهة أباطرة الإحتكار ولإدراكها تماما لعدم نزاهة موظفيها.
ومؤخرا إتجهت الحكومة إلى أحد هذه الحلول السهلة وقامت بإستيراد ” بيض ” من تركيا لأول مرة فى تاريخها حيث كانت مصر من أهم وأبرز الدول المنتجة للدواجن وكان عندها فائض كبير من البيض ، ولكن فى ظل حكومة الإنبطاح والفشل وغياب الرقابة
شهدت السوق المحلية ارتفاعات متتالية في سعر بيض المائدة على مدار الأشهر الماضية، ووصل ثمن الكرتونة (٣٠ بيضة) إلى ٢٠٠ جنيه في بعض الأوقات ، وذلك يرجع لجشع التجار خاصة وأن كرتونة البيض تخرج من المزرعة بسعر ١١٠ جنيهات فقط ، وبدلا من محاسبة التجار على تلك الأساليب الملتوية قامت الحكومة بإستيراد ٣٠ مليون بيضة من تركيا وهى كمية غير مؤثرة بالنسبة للإستهلاك المحلى للبيض والذى يبلغ نحو ١٤ مليار بيضة سنويا حسب بيانات وزارة الزراعة.
وقد بدء طرح أطباق البيض المستورد من تركيا في الأسواق، بعد تصريحات شريف فاروق وزير التموين والتجارة الداخلية بأنه تم التعاقد على استيراد كميات تصل إلى مليون طبق بيض بما يعادل ٣٠ مليون بيضة مائدة عالية الجودة،
وتم ضخ البيض التركي في المجمعات الاستهلاكية الحكومية بكميات كبيرة تصل إلى ١٠ آلاف طبق أسبوعياً، بسعر ١٥٠ جنيهاً للطبق الواحد (٣٠ بيضة)، بما يساهم في سد احتياجات السوق واستقرار أسعار بيض المائدة.
عقب طرح هذه الكمية غير المؤثرة بهذا السعر الذى يبلغ ٥ جنيهات للبيضة الواحدة مقابل ٦٥٠ قرشا للبيضة المحلية ، وعلى ما يبدو أن التجار أرادوا ضرب هذه الصفقة حيث هبطوا بالسعر المحلى ليصبح ١٦٥ جنيها للمستهلك.
المراقبون للأسواق المحلية يؤكدون أن المضاربة فيها أكبر من الرقابة عليها مما أدّى لزيادة الأسعار.
ونظرا للإنتقادات الواسعة التى تم توجيهها إلى جهاز «حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية» فقد قام فى نهاية سبتمبر الماضى بتحريك دعوى جنائية بالإحالة إلى النيابة العامة، ضد ٢١ من كبار المنتجين، اتهمهم بـ«الاحتكار، والاتفاق على أسعار مرتفعة لبيع البيض بالمخالفة للقانون».
وقضت «محكمة جنح اقتصادية القاهرة» يوم الأثنين الماضى ، بتغريم ٤ من سماسرة بيض المائدة مبلغ ٢٠ مليون جنيه (بواقع ٥ ملايين لكل منهم)، بعد أن أدانتهم بالاتفاق فيما بينهم، على تحديد سعر البيع اليومي لبيض المائدة، سواء بالخفض أو الرفع أو التثبيت، بما يخالف أحكام قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
على الرغم من التكاليف غير المباشرة بالنسبة لاستيراد طبق البيض التركي، سواء من الجانب التركي أو المصري، التي تتمثل في الشحن والنقل والتخزين، فإنه أرخص سعراً من البيض المحلي، وبالتالي يكشف ذلك مدى الاستغلال الواضح من جانب التجار، وأنه كان لا بدّ من تفعيل دور كل الأجهزة الرقابية وبالتالي سيعمل الاستيراد على إقبال المصريين على البيض المستورد بشكل كبير ما دام أرخص سعراً.
و فى المقابل يتوقع مسئولى غرفة الثروة الداجنة أن الإقبال لن يكون بشكل كبير على البيض التركي حيث أن السعر المعلن ١٥٠ جنيهاً ليس جذاباً بشكل كبير خاصة وأن الكمية المطروحة قليلة للغاية وسرعان ما يختفى من الأسواق.
ووجهوا أصابع الاتهام فى هذه الأزمة الى التجار الذين يمارسون كل أساليب الإحتكار والقيام بتشكيل لوبى فيما بينهم للإتفاق على السعر المطروح بالأسواق مما ساعدهم على تحقيق أرباح مشبوهة ، مؤكدين أن الاتجاه للاستيراد يعد رسالة حكومية للتجار بأنها تستطيع مواجهتهم للحفاظ على الصناعة وعلى المواطن من الجشع ، ولكنه فى الوقت نفسه يؤكد على ضعف شخصية الحكومة وعدم جرأتها فى مواجهة تلك المافيا التى تعبث بالأسواق وفى الوقت نفسه فشلها فى تذليل العقبات أمام الصناعة الداجنة وإستمرار الإعتماد على إستيراد الأعلاف من الخارج رغم تأكيدات المسئولين على زراعة كميات كبيرة من فول الصويا والذرة الصفراء لتوفير الأعلاف اللازمة للدواجن وهو الأمر الذى ” فقع ” مرارة المواطنين عند إستيراد ” بيض التراكوة ” حيث تأكد لهم أن هذه التصريحات لا قيمة لها وبعيدة تماما عن سياسة الدولة المتجهة إلى عدم الإعتماد على الزراعة أو الصناعة الوطنية.