تقرير لموقع “الجزيرة نت” يكشف حقيقة الجسر البري بين الإمارات وإسرائيل عن طريق الأردن لتوفير المواد الغذائية للإسرائيلين
فريق الجزيرة يستعين بصور الأقمار الصناعية لتتبع الشاحنات ويوثق شهادات السائقين وحكومة عمان تنفي!
لا حديث هذه الفترة في الأردن إلا حول ما يسميه مواطنون ونخب حزبية وسياسية بـ”جسر بري” للشاحنات المحملة بالبضائع، يمر بالأردن باتجاه إسرائيل، قادماً من الإمارات ودول أخرى، كبديل عن السفن الإسرائيلية والأجنبية التي فرضت جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن حظرا على مرورها عبر طريق مضيق باب المندب.
وقد تردد في مواقع التواصل الاجتماعي عن وجود الجسر البري، بعد أن اعترف الإعلام العبري به ثم ألمحت وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف بوجوده، ثم أكدت جهات شعبية وجود هذا الجسر ونشرت صورا لشاحنات تمر فيه، وتزامن ذلك مع انتشار أنباء نقص الغذاء والتهديد بحصول مجاعة في شمال قطاع غزة.
ولم تتوقف الفعاليات المناهضة لهذا الجسر وتصدرت مشهد الاحتجاجات والتداول عبر مواقع التواصل، وتكرر خروج الأردنيين بشكل أسبوعي تقريبا في سلاسل بشرية عند الطريق الذي اعتبروا أنه “يمدّ الاحتلال بالبضائع”، كما قال أعضاء في “التجمع الشبابي الأردني لدعم المقاومة” للجزيرة نت إنه جرى استدعاء عدد من نشطائهم للجهات الأمنية، بغرض تحذيرهم من التركيز على موضوع “الجسر البري”.
في المقابل، استمر الرد الرسمي الأردني بالنفي القاطع لوجود هذا الجسر، معتبرا أنه دعاية لتشويه صورة الأردن وموقفه الرسمي، وهو ما جاء على لسان رئيس الحكومة بشر الخصاونة، عندما وصف الجسر البري بأنه “وحي من الخيال”، وهو النفي نفسه الذي تحدث به الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين للجزيرة نت.
هذا الوصف لرئيس الحكومة الأردني صار واحداً من شعارات الاحتجاجات في الشارع الأردني، إذ يهتف المحتجون خلال وقفاتهم وتظاهراتهم “كيف وحي من الخيال.. والجسر البري شغّال (يعمل)”، في حين تشهد العاصمة الأردنية عمان منذ منتصف رمضان احتجاجات قرب السفارة الإسرائيلية بشكل يومي، وهو ما أحدث ضجة في الأوساط المحليّة، ولفت نظر وسائل الإعلام العبرية والأجنبية.
رصد ميداني للجسر
ومن جانبها نشر موقع “الجزيرة نت” تحقيقا كشف فيه صحة المعلومات التي تؤكد وجود هذا “الجسر البري”.
وأكد تقرير “الجزيرة نت” ، أنه تم إعداد هذه المادة الصحفية الميدانية على عدة مراحل، امتدّت على مدى شهر من الرصد الميداني، عبر عدة جولات على الطريق الذي يجري الحديث أنه هو الذي تسلكه شاحنات الجسر البري، بداية من مركز حدود العمري على الحدود الأردنية السعودية وصولا إلى معبر الشيخ حسين على الحدود الغربية للأردن.
سلسلة بشرية يقف فيها المواطنون الأردنيون احتجاجا على طريق الجسر البري (الجزيرة)
المرحلة الأولى: هل توجد شاحنات تمر عبر هذا الطريق؟
أكد تقرير “الجزيرة نت” أنه رصد عبر التتبع الميداني للطريق المؤدي لمعبر الشيخ حسين، وعلى 3 مرات مختلفة بأيام متعددة، وجود شاحنات تمر باستمرار عبر هذا الطريق، يقدر عددها بنحو 6 شاحنات في الساعة الواحدة، خلال الفترة ما بين ساعات ما قبل الظهر إلى غروب الشمس، بنظام مجموعات أو فردي.
كما تحدث فريق “الجزيرة نت” مع أهالي المناطق التي يمر بها هذا الطريق، وهي مناطق كفر يوبا وجمحا والشونة الشمالية، وأكدوا أنهم لاحظوا زيادة في عدد الشاحنات التي تمر عبر هذا الطريق، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأضاف التقرير أنه رغم عدم رصد شاحنات تعبر هذا الطريق بعد الساعة الـ9 ليلا، فإنه تم رصد في إحدى الليالي نحو 15 شاحنة تعبر دفعة واحدة وتحمل لوحات تركية وأردنية، لكنها جاءت عبر طريق مختلف، ويعتقد أهالي المنطقة أنها محمّلة بالخضار وجاءت من جهة غور الصافي.
ولفت التقرير أنه بمراجعة صور الأقمار الصناعية لنهار يوم عشوائي على معبر الشيخ حسين على الحدود الأردنية الغربية، تُظهر الصور وجود ما يقرب من 48 شاحنة مصطفة على المعبر تنتظر دورها للمرور، دون معرفة مصدر هذه الشاحنات بالتفصيل على وجه الدقة، بينما رصدت الجزيرة نت مبيت بعض الشاحنات داخل مَرائب في منطقة الشونة الشمالية وعدم انتظارها أو مبيتها على المعبر.
وبالبحث عبر المصادر المفتوحة، حصلت الجزيرة نت على تقرير مسحي للتجارة والخدمات اللوجستية بين الجانبين الأردني والإسرائيلي، أعدته الوكالة اليابانية للتعاون الدولي وشركة باديكو، ويُظهر حجم التجارة عبر معبر الشيخ حسين في العامين 2016 و2017.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2016 عبرت 27 ألفا و752 شاحنة محمّلة، وفي عام 2017 عبرت 23 ألف شاحنة، وهو ما يعني أنه إذا تم احتساب الحد الأعلى لأيام العمل السنوي المقدرة ما بين 200 إلى 220 يوما، فيكون متوسط حجم المرور 115 شاحنة يوميا في الأعوام المذكورة.
المرحلة الثانية: ما نوعية ومصدر الشاحنات التي تمر؟
ورصد فريق “الجزيرة نت” عبر أيّام مختلفة وعشوائية شاحنات تحمل لوحات متنوعة، تنوعت بين لوحات أردنية (النقل بالعبور) قادمة من الإمارات، ولوحات إماراتية تحمل شعار “دبي”، ولوحات تركية.
كما رصدت الجزيرة نت خلال جولاتها شاحنة متجهة إلى معبر الشيخ حسين تحمل حاويات عليها شعار شركة “زيم” وهي شركة شحن إسرائيلية مقرّها في حيفا، وقد تردد اسمها بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، بعد أن خسرت ما قيمته 2.7 مليار دولار خلال العام الماضي، بعد أن هوت إيراداتها بنسبة 58.9% بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة وهجمات جماعة الحوثي اليمنية في البحر الأحمر.
المرحلة الثالثة: ما المسار الذي تسلكه الشاحنات؟
وقد حصل فريق عمل “الجزيرة نت” من خلال أحد السائقين -دون الكشف عن اسمه- على مسار تتبعي مباشر (Live location) للطريق البري الذي تسلكه الشاحنات القادمة من حدود العمري السعودية-الأردنية، حيث تصل الشاحنات إلى منطقة الأزرق، ومنها إلى مشارف محافظة الزرقاء حيث بلدة الهاشمية فجسر “خو”، ثم إلى محافظة المفرق مرورا ببلدة البويضة.
ثم تصل الشاحنات إلى مدينة الرمثا في محافظة إربد، حيث تمر على مقربة من جامعة العلوم والتكنولوجيا قبل أن تصل لمنطقة الحصن في إربد، وتسلك طريق إربد الدائري ثم تخرج منه للطريق الرئيسي، الذي يمر ببلدات كفر يوبا وجمحا وكفر أسد، وصولا إلى الشونة الشمالية فمعبر الشيخ حسين.
تحدثت الجزيرة نت مع سائقي شاحنات تمرّ عبر هذا الطريق، حيث يقول السائق “م.ح” إنه يملك شاحنة نقل منذ سنوات ويعمل على نقل البضائع من الإمارات إلى الأردن، ويوضح “في الآونة الأخيرة، وبالتحديد بعد منع مرور السفن في البحر الأحمر، أصبح يأتينا سماسرة في دبي يطلبون منا تحميل بضائع تتجه لإسرائيل، بأجور تصل لضعفي المبلغ الذي نتقاضاه في النقل للأردن”.
ويتابع “وفي حال رفضك يأتيك سمسار آخر محاولا إقناعك بطرق مختلفة، منها أن يطلب منك إيصال البضائع لمدينة الحسن الصناعية في مدينة إربد، ومن هناك يتم نقل الحاويات من شاحنتك لشاحنات أخرى تتوجه لمعبر الشيخ حسين، وهي إحدى أشكال الاحتيال”.
أما السائق “س.ح” فيقول “أصبحنا نحمل أي شيء من الأردن للإمارات ولو بالمجان، وهو ما كان غير مجدٍ فيما مضى، لكن الآن أصبح المقابل المادي للنقل من الإمارات إلى إسرائيل مضاعفا، بمقدار ضعف ونصف، وهو ما دفعنا لمحاولة الذهاب محملين بأي شيء ولو بالمجان، لكي يسمح لنا بالعبور”.
وعن نوعية البضائع التي يتم نقلها، أشار “س.ح” للجزيرة نت أنه لا يستطيع حصر كل شيء، لكنها تتضمن ملابس وأقمشة ومواد غذائية، كما تحدّث عن كون الشاحنات مرصصة ومراقبة عبر نظام التتبع “جي بي إس”.
حاولت الجزيرة نت الحصول على رد رسمي أردني حول ما تم رصده عن هذا الطريق، وعن عدد الشاحنات الذي تسلكه ومقارنته بعدد الشاحنات التي تأتي من طرق أخرى، من خلال التواصل مع الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين، ولم تحصل على أي رد حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، لكنه كان قد نفى وجود هذا الجسر في تصريح سابق للجزيرة نت معتبرا أنه “زعم وادعاءات”.
وكان النائب في البرلمان الأردني حسن الرياطي قد وجّه أسئلة لرئيس الحكومة بشر الخصاونة حول تفاصيل هذا الطريق، وقال الرياطي للجزيرة نت إنه لم يتلق أي إجابات من الحكومة، مما دفعه لتحويل الأسئلة إلى استجواب، مشيرا إلى أنه لا يتوقع الحصول على إجابة، إذ إن “الحكومة لا تكترث لأسئلة النواب، وهو ما يضر بالمصلحة الوطنية”.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الرياطي “حسب النظام الداخلي لمجلس النواب، تجب الإجابة على السؤال خلال 14 يوما، وإذا لم تقم الحكومة بالإجابة تعطى مهلة ويحول السؤال لاستجواب، وهي ملزمة بالرد خلال شهر، وفي ظل المعطيات لا أعتقد أنني سأحصل على جواب”.
وأضاف النائب “هناك معلومات مؤكدة عن تنامي مرور الشاحنات بشكل كبير، وكذلك تصدير الخضار”، وأشار إلى أن “تعطيل الآلة الرقابية يدل على أن هذا المجلس ضعيف، والحكومة لا تراه، وقد تنامت مخالفات الحكومة”.