مقالات

الاعتراف بالخطأ ووقف سياسة الاعتماد على الديون أولها.. ثمانية خطوات للخروج من أزمة مصر الاقتصادية

التصنيف الأخير لوكالة “موديز” حول الاقتصاد المصري والذي خفّض ، النظرة المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية”، مشيرا إلى المخاطر المتزايدة المتمثلة في استمرار ضعف الوضع الائتماني للبلاد وسط صعوبة إعادة التوازن للاقتصاد الكلي وسعر الصرف، كشف عورات الاقتصاد المصري وحقيقة السياسات المالية التي تصر عليها الحكومة المصرية.

أولا علينا الاعتراف بإن الاقتصاد المصري لابد وأن يتأثر بما يحدث عالمياً، ليس فقط لكونه جزءا من هذا العالم المتغير، ولكن للأسف لكونه تابعاً للقوي الدولية المؤسساتية والقومية، لا سيما فيما يتعلق بالحصول على السلع الأساسية، والقروض الخارجية، والأموال الساخنة التي هي عماد الاستقرار الهش لسعر الجنيه المصري، وغيرها من العوامل التي تتحكم في مقدراتها العوامل الدولية مثل السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، وإيرادات قناة السويس وأسعار الطاقة، بالإضافة إلى الدول المستقبلة للصادرات المصرية.

فقد كشف التصنيف الأخير الحقيقة الزائفة لحالة الاستقرار والتماسك الظاهري والنسبي التي أبدتها مؤشرات الاقتصاد الكلي المصرية خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت محصلة لإفقار المواطنين عبر زيادة الجباية في صورها المختلفة، وتنامي القروض الخارجية بمعدلات شرسة وغير مسبوقة، وتجاهل تام للأخوات التي بحت مطالبة بالتحول نحو الإنتاجية، والحفاظ على بعض المقدرات الإنتاجية القائمة، لكن ما حدث على أرض الواقع هو العكس تماما، حيث تم إهدار تلال من الأموال المقترضة على المشروعات الخدمية فقيرة أو عديمة الجدوى الاقتصادية.

الغريب أنه رغم وضوح مظاهر الأزمة الاقتصادية في مصر منذ سنوات مثل وجود تضخم اقتصادي، أزمة مالية، ارتفاع في قيمة الأسعار الغذائية، عجز في الموازنة، انخفاض الأجور، تحديد السحوبات المصرفية، وانهيار قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي، وهو نفس المشهد التي عانت منه دولا أخرى مثل لبنان والأرجنتين ونجيريا ، إلا أن النظام المصري وحكومة الدكتور مدبولي رفضوا الاعتراف بالأزمة، بل ألقوا بالمسئولية على أطراف أخرى خارجيه وداخلية، مع الاعتراف بالخطأ بداية حقيقية للتصحيح.

ورغم تأكيد حكومة الدكتور مدبولي بأن الوضع مستقر طوال السنوات الماضية، أضطرت مؤخرا للاعتراف بالأزمة وطالبت بمساعدة داخلية من خلال إعادة العقاد جلسات مجلس الحوار الوطني المصري مرة أخرى، بعد توقفه لأشهر بسبب الانتخابات الرئاسية.

وتأتي عودة جلسات الحوار الوطني، بعد أيام قليلة من تصريحات رئيس الوزراء المصري، عن الأزمة الاقتصادية، وتحديده ست سنوات لتجاوزها واستعادة مسار النمو الذي كانت عليه البلاد قبل سنوات قليلة.

وقال مدبولي في تصريحاته التي نشرتها صفحة مجلس الوزراء المصري: «أؤكد أننا نعي تماماً حجم الأزمة ونعمل ليل نهار لصياغة حلول من أجل تجاوز هذه الأزمة، وسنتجاوزها بإذن الله خلال الفترة المقبلة».

وأضاف مدبولي: «لا نتحدث عن 20 أو 50 عاماً، بل هي 6 سنوات من الآن نعمل على تجاوز هذه الأزمة ونتحرك حتى نصل إلى هذا العام ونستعيد خلال ذلك مسار النمو الذي كنا عليه قبل حدوث الأزمة العالمية، ونحقق المعدلات التي يحلم بها كل مواطن مصري».

وارجع البعض تصريحات رئيس الوزراء المصري إلى تزايدت المخاوف من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، إلى سحب مستثمرين خليجيين استثمارات كبيرة من السوق المصرية، خاصة بعد أن قررت مجموعة “الشايع” الكويتية العملاقة لتجارة التجزئة، والتي تعد أحد أكبر مشغلي بعض العلامات التجارية للبيع بالتجزئة في المنطقة، تقليص عملياتها في مصر على خلفية ضغوط العملة الأجنبية والظروف الاقتصادية الصعبة.

ولأننا نسعى لطرح حلولا أكثر من البكاء على اللبن المسكوب فإن أفضل الطرق للتغلب على الأزمات المالية هو تحديد سبب الأزمة، مراقبة الديون والإيرادات، دراسة التدفق النقدي، دراسة الوضع المالي بشكل كلي، الاستعداد للأزمات المستقبلية ، خفض النفقات والترشيد.

فأصبح من الضروري علاج العديد من الأخطاء التي انتهجتها الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة، أولا علينا التخلص من الأفكار التي تم الاعتماد عليها طوال الفترة الماضية فهي كانت السبب الرئيسي للأزمة .

ثانيا، العمل على زيادة القدرة المصرية على إنتاج غذائها، فبعد أن كان لدى مصر اكتفاء ذاتي من معظم المحاصيل الزراعية، وطرح حلول عاجلة لمواجهة أزمة المياة الناجمة عن سد النهضة.

ثالثا، التوجه بكل طاقات الدولة وامكانياتها لتطوير القدرات الصناعية والاهتمام بالتصنيع والانتاج الذي أهملته الحكومة خلال السنواتالأخيرة، مما أدي إلى عدم قدرة الصناعات المصرية المحلية على منافسة الصناعات الأجنبية، إلى جانب ضخامة عدد الوكلاء التجاريين والمستوردين من الخارج.

رابعا، وقف سياسة الإغراق في الديون من الخارج، سواء لتغطية عجز الميزان التجاري، أو بناء مشاريع ليست ذات جدوى اقتصادية.

خامسا، تقليل إن لم يكن وقف ولو لفترة الاعتماد على “الأموال الساخنة” التي تتحرك في البورصة لشراء أصول وأسهم وسندات دين على الحكومة المصرية، ثم تحقق أرباحها وتخرج بشكلٍ سريع من الاقتصاد المصري.

سادسا، نعدم الاعتماد على صندوق النقد الدولي فتوصياته دائماً تهدف إلى احتلال الدول، وإخضاعهم بشكلٍ كامل للسير في حلقة مفرغة، وسبق وحذر الخبراء ونحن من السير في هذا الطريق الذي تاه فيه عدد كبير من الدول التي سلكته.

سابعا، إرساء مبدأ الشفافية والعمل على توفير البيانات عن النشاط الاقتصادي والمتغيرات الكلية القومية ونشرها، والإعلان عن توجهات الحكومة وسياساتها بشكل واضح.

ثامنا، حصر التشريعات المعوقة للاستثمار وإعداد التشريعات اللازمة لتعديلها وسرعة حسم المنازعات الاستثمارية، ومراعاة المساواة بين الاستثمار المحلي والأجنبي بما يضمن إرساء مبدأ سيادة القانون وحماية حقوق الملكية وتنفيذ العقود والأحكام، وكذلك الالتزام بالاتفاقيات الدولية.

شريف حمادة

كاتب وصحفي مصري

alarabicpost.com

موقع إخباري عربي دولي.. يتناول آخر الأخبار السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، إضافة إلى التحقيقات وقضايا الرأي. ويتابع التطورات على مدار 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى