حمار بوريدان وكلب القبيلة
هناك دوما عبرا وحكم نستخلصها من حكايات وماتناقله الابناء عن اباءهم واجدادهم ؛ و لعل واقعنا يخبرنا بنتائج القصص والعبر ، فى القديم يذكرنا التاريخ بما يعرف بحمار بوريدان الذى تفلسف فيها حمار بوريدان فمات جوعا . “بوريدان” فيلسوف فرنسي عاش في القرن الرابع عشر وحماره مصطلح فلسفي او مفارقة تشير إلى موقف افتراضي ؛ حيث يتم وضع حمار جائع وعطشان في منتصف الطريق بالضبط بين كومة من القش وسطل من الماء. وبما أن المفترض أن جوع الحمار مساوٍ لعطشه فيبقي الحمار مترددًا بين الأكل والشرب ولايستطيع اختيار أي منهما وتفضيله على حساب الآخر. والنتيجة أن حمار بوريدان سوف يموت لأن دوافعه متساويه والاختيارات امامه متشابهة؛ ولن يستطيع اتخاذ أي قرار عقلاني بين الجوع والعطش .كثيرون منا يضيعون حياتهم في التردد باتخاذ القرارات المصيرية. ومن حمار بوريدان الى هذه الحكاية الملهمة
يروى أن رجلا حكيما أعرابيا يعيش مع أولاده وبناته لهم إبل ، وغنم يرعونها ، ولهم كلب يحمي الغنم من الذئاب.وفي يوم من الأيام جاء احد سفهاء الحي وقتل كلب الحراسة لهذا الشيخ وأبنائه فذهب إليه أبناؤه وقالوا له إن فلانا” قتل كلبنا ؛ فقال لهم اذهبوا واقتلوا من قتل الكلب ؛ فجلس أبناؤه يتشاورون هل ينفذون أمر أبيهم بقتل قاتل كلبهم فاجتمعوا على أن أبيهم كبر وأصابه الخرف في عقله فكيف يقتلون إنسانا مقابل كلب وأهملوا أمر أبيهم ولم يهتموا بما طالبهم به .
وبعد مرور شهرين أو أكثر هجم اللصوص وأخذوا إبل الرجل وغنمه، جرى أبناء الرجل الى أبيهم وقالوا له ياأبانا إن اللصوص هجموا علينا وأخذوا الإبل والغنم.
فرد عليهم أبيهم : اذهبوا واقتلوا من قتل الكلب.فقال ابناؤه ،ابانا أصابه الجنون نحدثه عن اللصوص وسرقة الإبل والغنم فيقول اقتلوا قاتل الكلب ، وبعد فترة قصيرة هجمت عليهم قبيلة اخرى وسبوا إحدى بنات هذا الشيخ وأخذوها معهم ،وكما حدث سابقا جرى الأولاد إلى أبيهم وقالوا : سُبيت إختنا وهاجمونا واستباحوا حرمتنا ؛
فقال لهم أبوهم اقتلوا من قتل الكلب.فجلس الأولاد يفكرون في أمر هذا الشيخ الكبير هل جن ؟ أم أصابه سحر؟ أم ماذا ؟ وفى لحظة فارقة قام الابن الأكبر وقال : ساطيع أبي ولنرى ما سيكون وحزم عدته وأخذ سيفه وذهب إلى قاتل كلبهم ؛ وقال له : أنت قتلت كلبنا ، وأمرني أبي بقتلك ، وفصل رأسه بسيفه ، فطارت أخبار قتلهم لقاتل كلبهم ، وطافت الأفاق ، فقال اللصوص إن كانوا قتلوا قاتل كلبهم فكيف سيفعلون بنا وقد سرقنا إبلهم وغنمهم ، وفي عتمة الليل تسلل اللصوص وأعادوا الإبل والغنم الى مراعي الرجل ، وعلمت القبيلة المغيرة السابية لبنت الرجل بقتلهم قاتل كلبهم ؛ فقالوا إن كانوا قتلوا رجلا مقابل كلب ، فماذا سيفعلون معنا وقد سبينا بنتهم فأعادوا البنت وخطبوها لابن شيخ قبيلتهم.
وعندها جلس أبناء الرجل وفهموا حكمة أبيهم وأنه لم يخرف وفطنوا الى حكمة ابيهم التى تؤكد انه عندما تغض الطرف عن بعض حقوقك سيتجرأ الآخرين على سرقتك في وضح النهار لا لشجاعة منهم ، وإنما سكوتك هو الذي منحهم التطاول عليك دون حياء أو خوف ، فلا تتهاون في حقوقك..
و بين الحمار والكلب يكمن بيت القصيد وتستطيع ان ترى بعين رأسك وتستنتج مايجرى فى عالمنا الحالى وكيف ان اسرائيل ومن وراءها يفعلوا مافعلوه بالقرية حينما قتلوا من يحرس القرية ولم يقف امامهم من يردعهم وعليه فقد تمادوا فى غيهم ، وان ماجعل الحمار فى حيرة من أمره وعدم استطاعته اتخاذ قرار صائبا سلب منه الحياة…
ولكم فى التاريخ وحكاياته عبرة ياأصحاب النهى…
كريمة أبوالعينين
إعلامية وكاتبة مصرية