شيء من الخوف .. كيف حول الأبنودي فكرة مواجهة الطاغية إلى قتل الخوف بداخل الانسان اولا

رائعة المؤلف ثروت أباظة… ” شيء من الخوف”، والتي حولها المخرج “حسين كمال” لفيلم من أهم كلاسيكيات السينما المصرية والذي إحتل المركز الـ 19 ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما .
الفكرة الرئيسية من رواية ثروت أباظة أن :
( الخوف لايمنع الموت .. لكن الخوف يمنع الحياة)
عندما تناول عبد الرحمن الأبنودي كتابة الحوار فى الفيلم .. قدر يتفوق على الرواية ويبدع فى تفصيل الاحداث وتوظيف الشخصيات ويغير رسالة الفيلم الى :
(الأهم من مواجهة الطاغية هو مواجهة الخوف اللي جواك)
لأن اساس وجود الطاغية هو خوفك منه ولو حصل وقدرت تتغلب على خوفك مش حتلاقي طاغية قدامك .. حيتبخر لوحده .
أصر المخرج حسين كمال انه يصور الفيلم ابيض واسود رغم انتشار تصوير الافلام بالالوان وقت تصويره عام 1969.. علشان يضفى اللون الحزين على أحداث الفيلم .
ولا ننسى أيضا الموسيقي التصويرية .. التي أبدع فيها بليغ حمدى .. واللى بمجرد سماعها تثير فيك الرهبة والخوف ونفتكر مشاهد الرعب وروح الدهاشنة الخائفة وقت خوفها ونفتكر روح الدهاشنة الغاضبة وقت ثورتها .
ويبدأ الفيلم بمشهد العثور على غريق مقتول وأهل البلد بتتسائل : مين اللي قتله؟!.. مين اللي قتله ؟!.. وماحدش بيرد .. مع انهم كلهم عارفين مين اللى قتله .. علشان يؤكد رسالة الفيلم ان المشكلة الأصلية هى خوف الناس .. قبل ما يعرض أي مشهد عن عتريس وجبروته ..
الناس ماكانتش خايفة تروح تاخد ب تار المقتول .. لأ .. دول خايفين يقولوا إسمه مع انهم واقفين وحدهم وطول ما ” الخوف” موجود مايقدروش يتكلموا عنه ..
وكأن حسين كمال كان قاصد يبدأ بالناس المقهورة مش بالظالم الطاغية ومن قبل مايحكي عن الظالم ومن قبل ما تشوف الطاغية وقهره للناس .. بس انت شايف ” خوف” الدهاشنة .. “الخوف ” اللى بيتحكم فيهم من بعيد ..
طب وهل مصدر الخوف ده إن “عتريس الجد” كان أقوى واحد فيهم ؟؟!! ..
بالعكس المشهد التاني بيوضح إن عتريس ده راجل عجوز مافيهوش حيل لكن معاه السلاح ومعاه رجالته وده اللي مقويه وهو ده مصدر الخوف اللي بيسببه لأهالي الدهاشنة
ويحكي الفيلم عن” الدهاشنة ” اللي بتعاني سلب خيراتها عن طريق قلة باطشة ظالمة تحتكر القوة والسلاح وتفرض سيطرتها… وتتخذ من العنف وتحصيل الإتاوة والجباية منهج لزرع الخوف فى نفوس الناس لضمان البقاء نظير حفظ الأمن داخل الدهاشنة وحمياتهم من اي اعتداء من الخارج .
وعلشان يرسخ الفيلم رسالته بأن اللي بيخلق الطاغية هو “خوف” الناس… بيقدم لنا الفيلم فى بداياته شخصية “عتريس الحفيد” وهو طفل برئ .. هادي وديع محب للخير وبيحب ناس الدهاشنة .. بيصوره وهو مرعوب من منظر دبح الحمامة .. لكن تكرار مشاهد خوف الناس منه .. كان عامل أساسي فى تغيير شخصيته وتحوله الى طاغية ..
بدايةً من مشهد هروب أطفال الدهاشنة من المولد بمجرد ظهور الطفل عتريس البريء الطيب وتستمر أحداث الفيلم تصور تطور شخصية عتريس الطاهر البريء وتأثرها بخوف الناس منه وتأثره بمناخ السلطة المطلقة – المحمية بالسلاح – اللى كبر وترعرع فيه .
وتشدو الراحلة شادية على موال الأبنودي وألحان بليغ :
ياعيني ياعيني .. ياعيني ع الولد
الواد كما أي عيل .. في عيال ناس البلد
جسمه بردك قليل .. زي عيال البلد
يغوي صوت السواقي لما يملى البلد ..
زي ولاد البلد زي ولاد البلد
والقلب اخضر مزهزه لا مكر ولا حسد ..
زي ولاد البلد زي ولاد البلد
سموه على اسم جده ساعة لما اتولد .
وأبدع الابنودى فى الاشارة الى ان الطاغية كان انسان طبيعي بيحب البلد وحبه للبلد ده بتغرس فى دمه حتى لما يتحول لظاغية ودكتاتور بيعتقد ان حبه للبلد جوه كيانه .. وبيكون زى العبيط فاكر انه بيحب البلد وانه بيعمل كل انواع الظلم ده علشان يحمي البلد .
وماكانش تجسيد الفيلم ل ” فؤادة ” انها بنت جريئة شافت رجال البلد عاجزين فتقدمت لأعلان تمردها لكن كان بيرمز إليها ب “الوطن ” ..
والوطن ده مش مكان ولا أرض .. “الوطن” ده معنى .. في جمالها وقوتها وحبها لشعبها وثباتها .. “الوطن” إللي مش هيقدر الديكتاتور ان يهنأ به طالما أصر على ظلمه وطغيانه
وده ظهر فى حوارها فى نهاية الفيلم مع عتريس ..
انها مش هتضعف وتتنازل عن دم أهلها حتى لو قتلها
فهي ” فكرة ” والفكرة لاتموت بموت صاحبها ولكنها تعيش بعد ما تطلع من جسد صاحبها
ويعود صوت شادية على موال الأبنودي ولحن بليغ :
الواد ابو قلب لين أصبح غير الولد…
ضاع منه قلبه الابيض وسط صريخ البلد ..
الحلم اللي حلمته ف الصبح بيتفرد ..
يصبح ذنب البلد .. يصبح هم البلد ..
والضحك اللي ضحكته اهو دمعه للبلد ..
صرخه حزن ونكد .. صرخة بنت وولد ..
وفي يوم كان يوم جمعة وكان “جمعة الغضب” انتفضت “الدهاشنة” عن بكرة أبيها لتنفض عنها الخوف وتثور على الظلم فيتبخر الطاغية ويتخلى عنه رجاله وتعود فؤادة لحضن اهلها .
وترددت أقاويل عن ان الفيلم يرمز لحكم جمال عبدالناصر أواخر أيامه .. علشان كدة طلب عبد الناصر مشاهدة الفيلم قبل عرضه فى دور السينما وبعد ما شافه تشكك فيه .. وبعدين طلب مشاهدته مرة تانية بحضور السادات اللي قدر يقنعه ان المقصود ب “عتريس” هو الاستعمار فوافق على عرضه
ويلخص الأبنودي القصة فى موال تترات الفيلم ويقول :
البلد اسمها الدهاشنة .. والمكان ماحدش دلِّنا ..
يمكن ماكانتش أبداً… ويمكن فى كل مكان ..
يمكن ماحصلش ابداً… ويمكن فى كل زمان ..
الدهاشنة حتعيش .. وفؤادة ” الفكرة ” مش ممكن تموت