منوعات

عبارة ” يا ساتر ” بريئة من الكفر والإلحاد ( 2 )

إلى الإخوة الذين كفروا وشركوا قائل "يا ساتر" ... عفواً "يا ساتر" منكم (2)


إشكالية الشيطان المدعو بحسب البعض “ساتر”: ها وقد أوضحنا هذا الخلط الخاص بـ “دستور” “ويا ساتر” وفندنا حجته وقوضنا دعائمه الواهنة أساسا وعرفنا تأصيلاته ندلف هنا إلى إشكالية أخرى وهي هل هناك فعلاً شيطان أو جني أو عفريت يُدعى “ساتر” بحسب المنشور المتداول وعليه فإن مجرد نطق إسمه فقط يُعد شركاً وكفراً وإستعانة بالجن من دون الله؟ الحقيقة أن صحيح السنة لا يذكر سوى أسماء شياطين قليلة ليس من بينها ساتر, والقرآن لم يذكر أي إسم حتى العفريت الذي إستأذن فى إحضار عرش بلقيس لم يُسمى, وحتى المصادر الأدبية والتاريخية التراثية لم تذكر المدعو “ساتر” هذا حيث لم يرد اسم “ساتر” كإسم لجني أو شيطان أو عفريت فيما أورده ابن النديم في الفهرست “من أسماء العفاريت الذين دخلوا على سليمان ابن داود” وكان عددهم سبعين عفريتاً, كما لم يرد هذا الإسم في كتب التراث الخاصة بعلوم السحر أو علوم الحكمة كما كانت تُسمى, إذن علينا أن نفكر خارج الصندوق للوصول لربط ما بين “ساتر” هذا وبين شخصية في أي من الديمونولجيات (الديمونولوجيا: علم دراسة الشياطين والجن والأرواح الشريرة) في الأساطير الخاصة بالحضارات المختلفة وقد استطاع علم الآثار وحده وليس العلوم الدينية ولا المصادر التاريخية ولا كتب التراث الإجابة على هذا السؤال وحل ذلك اللغز.
الشيطان ساتر في رأيي ليس سوى الكائن “ساتير” Satyr أو ساتيروس المُركب الأسطوري الإغريقي الأصل وتم تعريبه وإدخاله للديمونولوجيا العربية الإسلامية, وهذا هو رأيي في هذه الإشكالية بعد أن طفت في كل أساطير الحضارات المختلفة, إذن فما قصة هذا الكائن الخرافي المُركب؟
هو كائن روحاني ذكر من أرواح الطبيعة غزير الشعر في البداية كان له آذان وذيل يشبهان آذان وذيل الحصان وأحياناً ما كان يُمثل بأرجل حصان وأحياناً أرجل بشرية, ويشتهر هذا الكائن في الأساطير بالفحش وحب الخمر والموسيقى والرقص والنساء وكان يُعتقد في الأساطير الإغريقية أن هذه الكائنات تسكن الأماكن النائية مثل الغابات والجبال والمراعي ولطالما يحاولون إغواء وإغتصاب الحوريات المعروفات باسم Nymphs وكذلك نساء البشر, وشيئاً فشيئاً بدأ “الساتير” يكتسب ملامح تشبه الماعز في بعض الصور الفنية بسبب الخلط بينه وبين الإله “بان” Pan والذي كان يتميز بوجود أرجل وقرون الماعز, لكن اصطُلح عامةً على تصوير الساتير بشكل بشري له قرون وأرجل ماعز وذيل حصان وأحياناً ذيل ماعز في شكل قريب الشبه جداً من صورة الشيطان في الفنون الإبراهيمية (يهودية- مسيحية- إسلام), بل قريب الشبه من صورته في الخيال الشعبي والقصص الخرافي في بعض الدول العربية ومن بينها مصر خاصة في وجود أرجل الماعز (لاحظ ذلك أيضاً في السينما مثل فيلمي التعويذة وجاءنا البيان التالي) حيث جرت العادة على تخيل الشياطين يملكون أرجل ماعز, ويُصور “الساتير” غالباً في حالة شبق جنسي وله قضيب منتصب أحياناً انتصاباً مبالغاً فيه, ويُفسر إمام عبد الفتاح في معجم ديانات وأساطير العالم ج 3, سبب تمثيل الساتير بشكل الشيطان أن المسيحيين وحدوا في عصور تالية بين الساتير والشيطان ” لما اشتُهر عنهم من شهوة جنسية”.
الساتير يناظر “السعريم” في الديمونولوجيا اليهودية: لاحظ البعض أن “الساتير” الإغريقي يشبه بعض الشياطين المعروفة في معتقدات الشرق الأدنى وخاصة الكائنات المعروفة باسم “السعريم” والتي ذُكرت في غير موضع في توراه العبرانيين, و”سعريم” هي الكلمة العبرية القياسية لـ “ذكر الماعز” , لكن وعلى ما يبدو يغلب على الظن أن استخدام هذه الكلمة كان أحياناً يشير إلى شياطين تأخذ شكل الماعز وليس حيوانات الماعز.
وفي الموسوعة اليهودية, الجزء 11 Jewish Encyclopedia مادة Satyr”” “ساتير” تشير الكلمة إما إلى شيطان، أو إله زائف أو كاذب، أو كائن مشعر, وفي سفر إشعياء يتم ذكر السعريم مع ليليث (إحدى شيطانات الشرق الأدنى في العراق تحديداً والتي دخلت الديمونولوجيا اليهودية) وحيوانات الصحراء جنباً إلى جنب الأماكن المقفرة، ويوصفون بأنهم “يرقصون” و”ينادون بعضهم البعض”؛ والمفهوم القديم للسعريم أنها كائنات مشعرة والأرجح أنها تأخذ شكل ماعز, ولا يزال ارتباط المسوخ المتوحشة بالخرائب والأماكن الصحراوية عنصرًا سائدًا في التراث الشعبي (الفولكلور) في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام؛ ويتم تمثيل الجن العربي أيضًا على أنه يأخذ أشكال مسوخ مشعرة.
وختاماً هذا تصوري لكيفية تسرب خرافة وجود شيطان بمسمى “ساتر” التي سادت لدى بعض الشيوخ وأصدروا على إثرها فتاوى التحريم والتكفير والتشريك المثيرة للسخرية والضحك, لكن السؤال كيف تسربت تلك الخرافات إلى الشيوخ؟ أعتقد أن الإجابة على ذلك السؤال قد لا تخضع لمعايير تحديد مصادر المعرفة البشرية العقلانية المنطقية ذات الطابع الموضوعي لأن الشيوخ أصلاً لا يؤمنون بخرافات وأساطير وثنية من حضارات سابقة, ويغلب على ظني أن هذا من العلوم الروحانية الشفهية التي دخلت علم الديمونولوجيا وكذا علوم السحر منذ التشتت اليهودي مروراً بالعصور الإسلامية, والعلوم الشفهية يرتكز أغلبها – إن لم يكن كلها- على معارف وعلوم تُستقى رأساً من الجن والروحانيات المختلفة, فلا يبعد في رأيي أن تكون خرافة “الشيطان ساتر” مما أدخله الجن المسلم أو غير المسلم إلى شيوخ الإسلام مباشرة أو إلى الروحانيين ومنهم انتقلت “الخرافة المزعومة” إلى شيوخ الإسلام خاصةً المهتمين بالجانب الروحاني أو لهم تجربة روحانية ثم أنهم عملوا بذلك العلم الشفهي من منطلق العمل بالعلم ظناً منهم أنهم يحاربون الشرك بالله في أي مظهر فأدى ذلك إلى أنهم أخرجوا العلم الشفهي من صدورهم إلى الناس في صورة فتوى التحريم تلك لقائل “يا ساتر” بعد أن وقر لديهم أنه مسمى “شيطان” من تلك المعلومة التي نقلها لهم “الجن” ولم يعرفوا أن أصلاً تلك أسطورة معروفة منذ العصور الإغريقية, ولم يعرفوا أن “الجن” من دأبهم دائماً خلط الكذب بالصدق والحقيقة بالأسطورة والواقع بالخرافة فهم لا يُبارون في هذه الصفات والله أعلى وأعلم.
كاتب المقال: الآثاري د. محمد شبانة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى