كتب د. حربي الخولي
تتبع حارة السكرية منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، وتعد الحارة من أقدم الحارات الشعبية،
وتقع جنوب شارع المعز بالقرب من باب زويلة وبوابة المتولي بالجمالية، وفيها العديد من الآثار ، منها جامع المؤيد شيخ ، وحمام السكرية وهو من الحمامات الشعبية القديمة وكان يعرف بحمام الفاضل، ووكالة السكرية والتي أنشأتها نفيسة البيضاء في العصر العثماني، ونفيسة البيضاء هي نفيسة خاتون وهي جارية شركسية اشتهرت باسم نفيسة البيضاء نسبة إلى لون بشرتها، وجمالها الذي أخضع علي بك الكبير فتزوجها، وبعد وفاته تزوجها مراد بك، وعاشت معه ما يقرب من 20 عامًا. وما زال متبقى منها سبيل نفيسة البيضاء الموجود عند شارع السكرية على يمين الداخل من باب زويلة، ويرجع تاريخ الإنشاء إلى (1211 هـ، 1796م) .
وتتعدد الآراء في سبب التسمية منها ما يرجعها إلى أن الاسم يرجع لوقت افتتاح جامع المؤيد شيخ – والذي شيده السلطان المؤيد شيخ في عام 818ھ/ 1415م. وقد امتاز الجامع بظاهرة فريدة من نوعها حيث شيدت مئذنتا الجامع فوق أثر آخر وهو باب زويلة المجاور للجامع والذي يرجع للعصر الفاطمي – وقد ذكر البعض أنه وقت افتتاح الجامع وللسعادة الغامرة للسلطان المؤيد شيخ أمر بأن يتم إعداد مشروب الماء المذاب به السكر ويوزع على الأهالي الحاضرين الافتتاح؛ ولذا امتلأت المنطقة بمشروب السكر فصارت كأنها سكرية كبيرة . بينما يذكر البعض أن سبب التسمية يرجع إلى انتشار محلات بيع السكر والمكسرات؛ مما جعل رائحة السكر تملا أنوف من يأتي للمنطقة وكأنها كذلك سكرية فأطلق عليها ذلك الاسم .
وقد كان على مدخل الحارة – كما كان لغيرها من حارات القاهرة – قديما باب الحارة الذي يغلق ليلا بعد العشاء ولا يسمح بدخول الغرباء إلا بأذن، وقد أمر نابليون بونابرت في أثناء الحملة الفرنسية وبعد ثورة القاهرة الأولى بخلع جميع أبواب الحارات ومنها باب حارة السكرية؛ لأن الأهالي كانت تختبئ خلف الأبواب بعد مهاجمة جنود الحملة، وفي بداية الحارة بوابة قديمة وضعت عليها لافتة مدون عليها “واجهة وبوابة وكالة نفيسة البيضا”، وأيضا على هذه البوابة حُفر على أحجارها اسم “عطفة الحمام ” ذلك الاسم الذي يعد أقدم اسم مكان محفور بالقاهرة الآن، وبعد المرور من البوابة تجد حارة السكرية الضيقة التي لا تكاد تتسع لفردين متجاورين، وتجد آثار من الزمن القديم مثل المنازل القديمة جدا بالمشربيات المهدمة ، ثم بعد ذلك تجد تفريعات من الحارة كلها بذات الطابع لمنطقة السكرية .
ولم تكن شهرة حارة السكرية بذات القوة قبل أن يتخذ منها الأديب العالمي نجيب محفوظ موطنا لاسم الجزء الثالث من روايته الثلاثية الخالدة ” بين القصرين وقصر الشوق والسكرية “، وتجسدت في فيلم درامي حمل اسم السكرية عرض عام 1973 من بطولة يحيى شاهين وميرفت أمين، ونور الشريف ومها صبري، وعبد المنعم إبراهيم وزهرة العلا وهدى سلطان، وتحية كاريوكا ومحمود المليجي، ومن إخراج حسن الإمام.
وجدير بالذكر أن هناك قرية قديمة بالمنوفية تحمل اسم ” السكرية “، حيث وردت باسم “السكرية” في أعمال المنوفية ضمن قرى الروك الصلاحي التي أحصاها ابن مماتي في كتاب قوانين الدواوين، كما وردت باسم “السكرية” في أعمال الغربية ضمن قرى الروك الناصري التي أحصاها ابن الجيعان في كتاب “التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية”. وفي العصر العثماني وردت باسم “السكرية” في التربيع العثماني الذي أجراه الوالي العثماني سليمان باشا الخادم في عصر السلطان العثماني سليمان القانوني ضمن قرى ولاية المنوفية، وفي تاريخ 1228هـ/1813م الذي عدّ قرى مصر بعد المسح الذي قام به محمد علي باشا باسم “السكرية” ضمن قرى مديرية المنوفية.