#على الأصل دووووور الفجالة
أصل ” الفجالة ” من البداية للآن
كتب د/ حربي الخولي
بمناسبة العام الدراسي الجديد نجد أولياء الأمور ينطلقون إلى منطقة الفجالة لتدبير ما يحتاجه أبناؤهم من كتب خارجية، وكراسات وكشاكيل وأقلام وأدوات الخ، فهي أشهر منطقة في ذلك الأمر في مصر إن لم تكن في الشرق كله، وعند البحث في تاريخ واسم الفجالة وجدنا أن اسم الفجالة هو الاسم المستحدث الذي اطلق عليها في فترة الاحتلال الإنجليزي وما قاربها، حيث اشتهرت المنطقة بزراعة الفجل وبيعه لكل أحياء القاهرة الفقيرة، وكان الفجل هو القوت الأساسي للمصري البسيط مع غيره من اللقيمات البسيطة، فعرفت الفجالة بهذا الاسم نسبة إلي زراعة الفجل بها، لكن يرجع تاريخ الفجالة إلى عهد قديم وهو عهد أبو تميم معد بن الظاهر المعروف بالمستنصر بالله بن علي الظاهر الخليفة الفاطمي الثامن المولود في (17 من جمادى الآخرة 420هـ /5 يوليو 1029م)، والذي توفي في (18 من ذي الحجة سنة 487هـ / 29 ديسمبر 1094م)، حيث بعد أن امتد نفوذه إلى بلاد كثيرة، وتطلع إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية السُّنّية ليضمها إلى سلطانه، فنجح في استمالة “أبي الحارث أرسلان البساسيري” أحد قادة العباسيين، ومدّه بالأموال والذخائر، فثار على الخليفة العباسي واستولى على بغداد، وأقام الخطبة بها للمستنصر لمدة عام، وذلك في سنة (450هـ / 1058م) ، وبعد أن استولى على بغداد ولما خطب البساسيري في بغداد باسم المستنصر معد وأمام المستنصر غنته مغنية بقولها :
يابني العباس صدوا ملك الأمر معد
ملككم كان معار والعوار تسترد
فطرب المستنصر لذلك ووهبها أرضا بمصر رزقة لها جائزة لإنشادها هذا الشعر ، فعرفت بأرض الطبالة نسبة لهذه المغنية التي كانت تضرب بالدف وهي تنشد الشعر في المستنصر، وبدأت حركة من العمران في هذه الارض . وهذه المغنية اسمها “نسب” أو “طرب” طبالة المستنصر . كانت تقف تحت القصر في المواسم والأعياد وتسير أيام المواكب وحولها طائفتها وهي تضرب بالطبل وتنشد . ( انظر خطط المقريزي: 2/125 ) ونسب هذه مدفونة بالقرافة الكبرى تجاه زاوية الشيخ صفي الدين أبي المنصور ، بالموضع المعروف بالسهمية، وكان عليها قبة فخربت ودثر قبرها. ( الانتصار لابن دقماق : 5/43 )
وقد كتب الأستاذ محمد رمزي في تحديد أرض الطبالة ، قال : ” ويستفاد مما ذكره المقريزي في خططه : 2/185 عند الكلام على جزيرة الفيل أن أرض الطبالة كانت ممتدة إلى شاطي النيل القديم تجاه جزيرة الفيل التي كانت وسط النيل ، ومكانها اليوم منطقة شبرا بالقاهرة . ومن هذا يتضح أن أرض الطبالة كانت واقعة في المنطقة التي تحد اليوم من الشرق بشارع الخليج المصري ، ومن الشمال بشارع الظاهر فشارع وقف الخربوطلي وما في امتداده حتى يتقابل بشارع مهمشة ، ومن الغرب بشارع غمرة إلى محطة كوبري الليمون فميدان محطة مصر إلى ميدان باب الحديد حيث كان النيل يجري قديما . ومن الجنوب بشارع الفجالة وسكة الفجالة ويدخل فيها الآن محطة كوبري الليمون والفجالة وبركة الرطلي .
وظل اسم الطبالة يطلق على المنطقة إلى أن حدث ما عرف باسم “الشدة المستنصرية” حيث جاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية. وتكرر هذا النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة من (457هـ / 1065م) إلى سنة (464/1071م). وقد أفاض المؤرخون فيما أصاب الناس من جراء هذه المجاعة من تعذر وجود الأقوات وغلاء الأسعار، حتى ليباع الرغيف بخمسة عشر دينارًا. واضطرار الناس إلى أكل الميتة من الكلاب والقطط، والبحث عنها لشرائها. بل أن بعض المؤرخين ذكروا اكل الناس جثث من مات منهم. وصاحب هذه المجاعة انتشار الأوبئة والأمراض التي فتكت بالناس حتى قيل: إنه كان يموت بمصر عشرة آلاف نفس، ولم يعد يرى في الأسواق أحد، ولم تجد الأرض من يزرعها، وباع الخليفة المستنصر ممتلكاته، ونزحت أمه السيدة رصد وبناته إلى بغداد. وساء به الحال حتى أن بعضهم ممن كانوا في بعض من اليسر كان يتصدّق عليه بما يأكل في يومه. وأمام اضطراب الناس وثوراتهم لم يكن أمام الخليفة المستنصر بالله للخروج من هذه الأزمة العاتية سوى الاستعانة بقوة عسكرية قادرة على فرض النظام، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الدولة التي مزقتها الفتن وثورات الجند، وإنهاء حالة الفوضى التي عمت البلاد، فاتصل ببدر الجمالي واليه على «عكا»، وطلب منه القدوم لإصلاح حال البلاد، فأجابه إلى ذلك، واشترط عليه أن لا يأتي إلا ومعه رجاله، فوافق الخليفة على شرطه.
وبالفعل أعاد بدر الجمالي الاستقرار والهدوء بالقوة وفرض النظام، وقد وجد في منطقة الطبالة مكانا جميلا فأنشأ به بساتين مختلفة ليتغير اسم المنطقة إلى ” بساتين الجيوشي” التي ازدهرت بشدة، لكن بعد سنوات طويلة تهمل وتتحول لبرك وتلال وأطلال، حتى جاءت الحملة الفرنسية فاتخذتها سكنا للجند وأعادت إعمارها، ومع وجود الخديوي إسماعيل تدخل المنطقة عصر جديد تماما من منطقة مهملة لمنطقة سكنية من أجمل مناطق القاهرة، وأطلق اسم الفجالة عليها لكثرة مزارع الفجل بها كما سبق أن ذكرنا، وصار المكان عامرا بعد إنشاء السكك الحديدية وجعل المحطة الرئيسية وهي محطة مصر بالقرب منها؛ مما جعلها مسكنا للكثير من الناس وتستقبل القادمين بالسكك الحديدية للقاهرة؛ مما احتاج لأن يكون بها لوكاندات وفنادق صغيرة انتشرت في الفجالة كلها، وبدأ الأجانب يسكنون المنطقة خاصة الشوام فانتشرت المدارس والمساجد والكنائس، وبدأ الحي ينمو في حدوده وامتد من ترعة الإسماعيلية إلي سور القاهرة عرضا، و من جامع أولاد عنان إلي بوابة الحسينية طولا ، كما شهد بناء مجموعة من القصور الفاخرة حتى حولت المنطقة إلي حي من أجمل أحياء القاهرة والذي يضاهي أرقي أحياء باريس. وتعد مدرسة الروم الكاثوليك، وكنيسة اليسوعيين وكنيسة الكلدان الكاثوليك من أشهر معالم الشارع كما يوجد العديد من المعالم الأخرى.
وصار شارع الفجالة مقصدا للمثقفين والأدباء وهواة القراءة الذين يأتونه من كل مكان لشراء كتب كبار الكتاب، إذ كان يزخر بالمكتبات الكبرى مثل مكتبة مصر ، مكتبة غريب . وتطورت المنطقة و سار بها الترام القادم من العتبة الخضراء قاصدا العباسية، وتغير الحال وأصبح شارع الثقافة والقراءة فى مصر مقرا لمحلات بيع الأدوات المدرسية والسيراميك والأدوات الصحية.
إتبعنا