
كتب د. حربي الخولي
كثيرا ما كنا نسمع كلمات عامية لها دلالات مختلفة، وكانت هذه الكلمات شائعة ورائجة جدا في فترة من الزمن، إلا أنها الآن صارت أقل في الاستخدام وحل محلها كلمات أخرى أكثر حداثة وعصرية، ومن الكلمات التي كانت شائعة وقل استخدامها الآن كلمة ” اتبغدد ” وكلمة ” استكرد “، ونجد أن أصل كلمة ” تبغدد ” في الاستخدام العامي المصري ومعظم البلدان العربية هو التفاخر والتيه والكبر، فيقال : ” فلان يتبغدد أو تبغدد الخ “، والمعنى أنه تكبر على الناس وجعل نفسه من طبقة أخرى غيرهم، وأصل ذلك أن بغداد كانت في الزمن القديم حاضرة العالم العربي والعالم أجمع ، وكان أهل بغداد هم أهل الثراء والغنى والمكانة العالية السامية، حيث يسكنها الخلفاء والوجهاء والأمراء والقادة ؛ لذا كان البغدادي يتيه بنفسه ونسبه لبغداد، فكان الناس ينسبون من يحاول التفاخر بنفسه إلى بغداد فيقولون ” يتبغدد “، بمعنى يتشبه بأهل بغداد ويتكبر ويتفاخر بين الناس، وقد جاء في معجم المعاني الجامع : تَبَغدَدَ (فعل)، وتقال تبغددَ على. يتبغدد تبغدُدًا فهو مُتبغدِد. والمفعول مُتبغدَد عليه. وتَبَغْدَدَ فُلانٌ معناها انتسب إِلى بَغداد وتشبَّه بأَهلها. ويستخدم الفعل بمعنى زَهَا وتكَبَّر. وفي عام 2005 غنّى الفنان العراقي كاظم الساهر “تتبغدد علينا واحنا من بغداد” وهي أغنية غزلية لاقت شهرة كبيرة، وفيها استخدام بغدادي محلّي للكلمة بالمعنى المقصود نفسه، أي التكبّر والتعالي والرفعة.
أما عن كلمة ” استكرد ” فالدلالة تعني ” أن فلان استغبى فلان ونصب عليه وأخذ منه ما ليس له بحق، فهو قد ” استكرده “، وأصل “استكرد” إما أن تكون من كلمة (كروديا) وهي كلمة يونانية بمعنى الغباء أو السذاجة، وقد شاعت وقت أن سكن الكثير من اليونانيين مصر أيام الاحتلال الإنجليزي، وتجد في اللهجة العامية المصرية من يستخدم مثلا: ” ده واد كروديا، أو رجل كروديا”، أي ساذج أو غبي. واشتقت العامية منها أيضا كلمة: “استكردني” وخلافه.
ويؤكد البعض ان أصل كلمة ” استكرد ” نسبة إلى الشعب الكردي الذي يسكن كردستان وتميزه صفة الطيبة الزائدة التي تصل إلى حد السذاجة، بدليل استخدام كلمة كردي في الغباء والسذاجة ، فكان يقال في كثير من الدولة العربية خاصة لبنان عند الاستنكار : ” أنت فاكرني كردي “؛ بمعنى غبي أو ساذج، كما يقال الآن : ” أنت فاكرني هندي ” . وفي الواقع لا يمكن تعميم الصفات والأوصاف على الشعوب والجماعات، فليس هناك شعب ذكي وآخر أحمق، قد يكون شعبٌ ما أكثر حظاً في الحياة لعوامل وأسباب معينة، لكن الشعب الذي يعيش البؤس والحرمان، لا يعني أنه غبي .