تصريحات مدبولي حول”اقتصاد الحرب” في مصر.. فزاعة للداخل أم لمخاطبة صندوق النقد الدولي ؟!!
هل يتحمل المناخ الاستثماري نتائج هذه التهديدات؟
بعد تصاعدت الأحداث في منطقتنا العربية ودخول حزب الله وايران في المشهد بقوة واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلنت مصر على لسان رئيس حكومتها، مصطفى مدبولي، أن القاهرة قد تلجأ إلى “اقتصاد الحرب”، وهو ما جعل الجميع يطرح التساؤلات حول التحديات التي تواجه البلاد، وسبل مواجهتها.
وكان رئيس الحكومة المصرية قد أوضح خلال مؤتمر صحفي، أمس الأربعاء، أن “الحكومة تواجه تحديات غير مسبوقة، وتتعامل مع اضطرابات الوضع الدولي والإقليمي بحزمة من القرارات، ولو دخلت المنطقة في حرب إقليمية سنكون في وضع شديد، وربما ندخل في وضع اقتصاد الحرب”.
اقتصاد الحرب
وقد طرح كثير من أبناء الأجيال الشابة تساؤلاتك عن معنى “اقتصاد الحرب” ؟ وهل مازال حاضرا أم انتهى مثلما أكد خبراء سابقا مع نهاية الحرب الفيتنامية – الأميريكية في منتصف سبعينيات القرن الماضي.
والهدف الوحيد من هذا المصطلح هو سيطرة الدولة على كافة أنواع الأنشطة الاقتصادية، حيث تبدأ بتوزيع المواد الغذائية من خلال كوبونات (قسائم)، وذلك طبقا لخطة تضعها الحكومة”.
كما تقوم الدولة بالإشراف على كافة المصانع والبنوك والمؤسسات المالية والاستثمارات كما حركة الأموال الداخلية والخارجية لا تتم إلا بإذن رسمي، وحتى حركة الاستيراد والتصدير ليست بعيدة عن هذه الإجراءات بل تتم أيضا بإذن رسمي.
وطبعا هذه الإجراءات سوف تجد من يؤيدها من خبراء الاقتصاد المحسوبين على النظام وسوف يقولون أننا في حاجة ماسة إلى (اقتصاد الحرب)، خاصة في ضوء التطورات الميدانية الأخيرة والمخاطر المتصاعدة”.
وسوف يطالب هؤلاء الخبراء برفع النفقات في قطاع الدفاع والتسليح، وبالتالي سوف يكون جزء كبير من تلك الأموال مخصص موجهة نحو النفقات العسكرية والواقع الأمني الدولي، مع أن هذا البند موجود في مصر منذ ثورة يوليو 52، حيث يتم ترشيد النفقات في القطاعات الأخرى، وتوجيه الجزء الأكبر من الميزانية نحو القطاعات الأمنية الداخلية للاستعداد لأي مواجهة عسكرية.
خطورة التصريحات
طبعا حاول المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، طمأنه الرأي العام، مؤكدا أن الحكومة لديها خطة قوية لمواجهة أي تداعيات سلبية في حالة تصاعد أحداث الصراع في المنطقة، إذ يتم العمل على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين من خلال مخزون احتياطي استراتيجي قوي.
وهذا الكلام سبق وقاله مدبولي مؤكدا أنه من الضروري اهتمام الدولة بكيفية الحرص على استمرار واستقرار واستدامة توفير السلع والخدمات والبنية الأساسية للمواطن المصري في ظل الظروف الراهنة.
وأكد أن الحكومة المصرية تعمل على التعامل مع هذا الوضع من خلال حزمة من الاجراءات والسياسات، والتي تمثل في جزء منها ردة فعل للتعامل مع الأحداث الحالية، لافتا إلى أن الدولة المصرية تعمل كذلك على وضع مجموعة من السيناريوهات التي يتم تغييرها باستمرار نتيجة للتطورات والمستجدات الراهنة.
الغريب ان هذه التصريحات هي الأخطر على الاقتصاد المصري والاستثمارات التي قد تهرب منه بسببها، لأن المستثمر يحتاج إلى مناخ مستقر وعندما نقول إننا قد نتحول إلى اقتصاد حرب فذلك يعني أن الدولة قد تضع يدها على كل الاستثمارات والمشاريع التجارية والاقتصادية، وإن كان ليس بغرض تأميمها، ولكن الإشراف على إدارتها، فهل يريد أحد أن يخسر ماله مثلما خسر القطاع العام ماله بسبب سوء الإدارة.
وأنا أعتقد أن هذه التصريحات لها غرضين الأول هو وقف حالة السخط الشعبي تجاه السياسات المالية للنظام، خاصة بعد ارتفاع أسعار السلع الغذائية والخدمات الأساسية بشكل جنوني لا يتحمله كثير من فئات المجتمع المصري.
أما الغرض الثاني كما فسره بعض الخبراء يرجع إلى أن المراجعات مع صندوق النقد الدولي كان من المفترض أن تتم في شهر سبتمبر الماضي، ولكن جرى تأجيلها إلى شهر نوفمبر القادم، وواضح أن هناك مفاوضات لتأجليها مرة أخرى إلى يناير.
الغريب أن الشعب المصري يعيش منذ العدوان الثلاثي عام 1956، في ظروف اقتصادية استثنائية، وإن كانت هناك نسبة كبيرة من مشاركة القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية إلا أن الدولة هي المهيمنة على الاقتصاد، والمؤسسات العسكرية لها ميزانية سرية وكبيرة ولا تناقش في البرلمان.
ومنذ الستينات والأعمال الفنية تناقش هذه الحالة التي أطلقوا عليها الخروج من عنق الزجاجة والذي تأجل كثيرا بسبب الظروف السياسية واقتصاد الحرب الذي عشناه كثيرا، مع أن هناك رجال أعمال مقربين من الأنظمة استفادت من اقتصاد الحرب.
شريف حمادة
كاتب وصحفي مصري