قصة ” درب المهابيل ” بين البوظة والتشريفة وشريف باشا
قصة ” درب المهابيل ” بين البوظة والتشريفة وشريف باشا
كتب / د. حربي الخولي
يقبع حي “درب المهابيل” ذلك الحبي الشعبي الشهير، بين شارعي عبد العزيز ومحمد علي بالعتبة، وهو أقرب لقسم الموسكي، وقد خلد ذلك الاسم فيلم ” درب المهابيل ” للمخرج الراحل توفيق صالح، وقصة وسيناريو العالمي نجيب محفوظ ، وبطولة شكري سرحان وتوفيق الدقن، وبرلنتي عبد الحميد وعبد الغني قمر، وتم عرضه في عام 1955 . ويدور الفيلم حول ورقة يانصيب تقلب حال حارة درب المهابيل رأسًا علي عقب , فالكل يعيش الكفاف ينتظر حفنة من المال يحقق من خلالها أحلامه, حتى تستقر ورقة اليانصيب الفائزة في يد ” قفة ” مجذوب الحارة، فينشأ الصراع بين أفراد الحارة كلها على من يتمكن من السيطرة على قفة وانتزاع الأموال منه، وتنقلب الحارة ، ويحدث هرج ومرج في أرجائها ، وفي النهاية تذهب الأموال دون استفادة مثلما أتت وتلوكها الماعز, وترجع الحارة لحالتها الأولي تنتظر معجزة أخري .
ولم يختلف الفيلم في عرض الحياة في الدرب عن الواقع المعيش وقتها وإلى والآن، فإذا دلفت للدرب سواء من العتبة عبر شارع عبد العزيز، أو من شارع محمد على ومنه إلى درب المناصرة ثم درب المهابيل، ستجد الضوضاء نفسها بالفيلم الناجمة عن أعمال ورش الخشب المنتشرة على جانبي الدرب، وقد كانت في السابق محلات صغيرة للنجارة مع بعض محلات البقالة ومحلات البوظة ، ينافسها في الإزعاج – حديثا – أصوات أصحاب محال الأجهزة الكهربائية مع صبيانهم. ولا يزال درب المهابيل محتفظا بأسماء ست حارات يتألف الدرب منها وهي الطاحونة، وزوة الوقف، وطاحونة الوقف، والزاوية، إلى جانب العرقسوسية وسليقة واللتين تعبران عن أشهر عائلات الدرب كما كانت لمدخل الدرب بوابة حديدية لم تعد موجودة الآن .
ويعد مسجد ” العظام ” من أشهر معالم درب المهابيل ، وكان سبب بناء مسجد العظام هو أنه وبعدما أنعم السلطان العثماني عبد العزيز في عام 1864 على والي مصر إسماعيل باشا ابن ابراهيم باشا بن محمد على باشا بلقب الخديوى، فأصبح الخديوى إسماعيل أدى ذلك الى أمر الخديوي إسماعيل بشق شارع يمتد من ميدان العتبة إلى قصر عابدين على أن يحمل هذا الشارع اسم السلطان العثماني عبد العزيز، وقد كانت هذه المنطقة منطقة قبور ،فكان أول شيء فعله هو المسارعة بمحو المقابر ونقل رفاتها وعظامها إلى مكان آخر، فليس من اللائق أن يكون الشارع الذى يهديه الخديوى للسلطان العثمانى محفوفا بشواهد القبور، فقام الخديوى اسماعيل بتجميع كل رفات الموتى من عظام وأخذ بدفنها في مكان واحد، ثم تم بناء المسجد على هذه العظام، فتم تسميته مسجد العظام.
ويوجد اختلاف في سبب تسمية ” درب المهابيل ” بهذا الاسم ، فالبعض يؤكد أن الاسم يرجع إلى أن الحي كان يسكنه بالفعل بعض ضعاف العقل والمجاذيب أو ما يطلق عليهم المهابيل ، ومن هنا كانت التسمية، بينما يؤكد آخرون أن الاسم يرجع إلى أن الحي كانت تنتشر به محلات البوظة التي كان يتوافد عليها بعض الناس ليلا فتذهب عقولهم ويترنحون في الطرقات كالمهابيل؛ مما جعل الناس تطلق على المكان اسم ” درب المهابيل ” ، بينا يشير البعض إلى أن التسمية تعود لعصور الملكية حيث كانت تمر تشريفة عسكرية بهذا الشارع، حيث كانت العساكر ترفع يديها وتخفضها تعظيما للوالى، فكان كل من يراهم يطلق عليهم اسم “المهابيل”، ومن هنا جاء سبب الاسم”. وأكد آخرون أن التسمية تعود إلى أنه كان قديما يسكنه أحد الباشاوات يدعى شريف بقصر كان يطل على أحد بيوت الزار ما أثار دهشته، قائلاً: “إيه الناس المهابيل دول؟!”، ومن هنا أطلق على هذا الدرب اسم “درب المهابيل”، وقيل إن اسمه القديم كان ” ترب المناصرة ” وذلك لأن الشارع كان به مقابر على ما ذكرنا سابقا، ثم تحول الاسم إلى درب المهابيل للأسباب السابقة وقد طالب سكان المنطقة بتغير الاسم فاستجابت الحكومة المصرية وتم إصدار قرار بتغيره إلى درب المناصرة وذلك فى يوليو ١٩٥١ م، لكن ظل الاسم الأشهر والمتنسك الاهالي به هو ” درب المهابيل “.