لابد من الله ..
قال كارل ماركس ( ليس صحيحا أن الله خلق الإنسان ، بل الإنسان هو من خلق الله ) – تعالى الله عما يقول علوا كبيرا – يأتى قوله هذا متماشيا مع الفكرة المادية الإلحادية التى دشنها وبلورها مذهبا متكامل الأركان ، فشاع بين خلق كثير من البشر وكان شر ما شاع ، وهو فى مقولته هذه ينكر وجود الله حقيقة ، ولا يعدو وجوده عنده عن فكرة توافق عليها الناس فى الزمن القديم والحديث ، وبغير كثير من التأمل تدرك أن ماركس هنا جنف عن الصواب بعيدا وتنكب مقتضى العقل وافتقر للموضوعية والإنصاف ، ولولا أنه كذلك لسأل نفسه ، ولم توافق الناس فى غالبيتهم الساحقة على فكرة وجود الله ؟ ولا جواب عن ذلك السؤال إلا إنها الفطرة المركوزة فى بنى الإنسان ، ولعل ماركس إن سمع ذلكم الجواب لسخر وتهكم ، لكنها الحقيقة الناصعة فلا تضيرها سخرية ولا يطمسها انكار .
إن الفطرة تقود الإنسان وتأخذ بزمامه قسرا نحو الإعتقاد بوجود إله لهذا الكون ، وإن تباينت تصوراته لهذا الإله ، وتبرز الدلالة هنا على أن هذه الفطرة لم تكن فى الإنسان من ذاته وإنما أودعت فيه من غيره وليس هذا الغير سوى الله ، وهذا ما ارتكن عليه شيخ الفلاسفة الفرنساويبن رينيه ديكارت فى إثباته لوجود الله وجزم أن توفر فكرة الكائن الكامل فى دواخل البشر دليل حاسم على وجوده .
إن الإيمان بوجود الله ليس هو تلبية لنداء الفطرة وحسب ، بل هو ضرورة من ضرورات الحياة ولا استقامة لهذه الحياة إلا به ، فنحن معشر البشر يلزمنا ما تنتظم به معايشنا وبه تتيسر تعاملاتنا ، وبغير هذا المنظم ستتصادم رغائبنا وسنتصارع لإنفاذها وبه سيفنى بعضنا بعضا وستخرب الحياة ، ولا محيص عن قانون يتناول بالتنظيم شأننا ، ناهضا بمهمة التوفيق والتأليف بيننا ، هذا القانون يلزمه أن يكون له سلطان علينا وله تعنو جباهنا ، يحكم منا الضمائر قبل الجوارح ، فنضعه نصب العين فى السر قبل العلن ، وننصاع له رغبة ورهبة ، وكل ذلك لا يتوفر لقانون خطته بنان مخلوق ولا صاغه عقل آدمى ولو كان من أولى العبقرية والنبوغ ، إنما يكون لقانون صادر من المنزه عن كل نقص ، المتعالى عن الهوى ، العليم بالسر والنجوى وليس من هو كذلك سوى الله .
كما أننا خلقنا وفينا ركب الإحتياج الدفين للركون إلى العدل المطلق والرحمة التامة والركن الشديد ، ولو ساد الإعتقاد بإنتفاء هذا العدل وتلك الرحمة لتمزقت نفوسنا واحترقنا بالحيرة وهلكنا من قسوة التيه والضياع ، وليس غير الله عدل مطلق ورحمة تامة وركن شديد .
ومن حولنا علامات الإستفهام مرسومة على كل شبر من صفحة الكون ، من أين أتى هذا الوجود ؟ وإلى أين يمضى ؟ ومن الذى جاء به ؟ وما هذا الإنسان ؟ ومن ذا الذى براه ؟ وما الرسالة التى أنيطت به فإنه محال أن يكون جاء عبثا ؟ وتلك أسئلة لا قرار لعقولنا إن بقيت بلا جواب ، وبغير الإعتقاد فى الإله الكامل لا جواب .
إن الذى سلف ليحتم على العاقلين من الخلق الإقرار بوجود الإله الخالق الأعظم ، وإنه لا راحة ولا قرار لنا ، بل لا حياة بدون هذا الإقرار وذاك الإعتقاد ، وإن هذا ما جعل وليم جيمس وهو أحد أساطين فلاسفة الأمريكان وعمدة المذهب البراجماتى يقول : لو لم يكن الله موجودا لوجب علينا أن نوجده .
جمال بخيت
كاتب وروائي مصري