كتب د/حربي الخولي
في قوله تعالى :” قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ” نلاحظ استخدام الجب وليس البئر، رغم أن كلمة البئر مستخدمة في القرآن الكريم في قوله تعالى :” فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ “، وعند التأمل نجد فارقا بين الجب والبئر – على الرغم من أن معظم المفسرين ذكروا أنه لا فارق بينهما، وكان من الممكن، في رأيهم، أن يستخدم البئر بدلا من الجب – وهما يجمعهما حفظ الماء للناس، لكن الجب في الأغلب تكون موجودة بالطبيعة كجيب في الأرض الصخرية، لذا سمي جب، وتحتفظ بمياه الأمطار والسيول، وأحيانا يشقها الإنسان في الصخر بجهد شديد، وعلى ذلك جاء قوله تعالى :”وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ “، ومعنى جابوا أي خرقوا الصخر أو قطعوه بشكل معين، وعلى ذلك يجُبُّ بعض الناس الصخر ليصنعوا جبا، أي يشقوه في الأرض الصخرية بطريقة متدرجة منحدرة، بحيث تتجمع مياه الأمطار والسيول فيه، فيكون شكل الجب في الصخر كأنه حرف راء في الأرض منحن، فمن ينزل فيها لا يسقط عموديا وإنما ينحدر معه حتى يصل للقاع، فإذا كان الماء غير كثير يستطيع الجلوس على حافة الجب السفلية والماء من تحته، وهو ما حدث مع سيدنا يوسف بالتمام، فعندما أشار عليهم أخوهم بإلقاء يوسف في الجب كان يعلم أنه لن يموت طبعا لأنه لن يسقط عموديا، وإنما سينحدر حتى يصل إلى أخر الجب ومن أسفله الماء، وعندما تأتي القوافل فإنها ترسل الدلو من أعلى وهي لا ترى بالأسفل حتى يمتلأ الدلو وترفعه، فتعلق يوسف بالدلو وتم إنقاذه، فكان يوسف في ظلام من ضوء النهار في أعلى الجب وفي ظلام الجب ذاته وفي ظلام ظلم إخوته، فهو على قراءة من قرأ غيابات في ظلمات، وهناك من قرأ غيابة بمعنى ظلام الجب، أما البئر فهي تلك التي يصنعها الإنسان وتكون غالبا في الأرض الرخوة أو الرملية، فتحتاج لبناء حتى لا تنهدل، وتكون عمودية وماؤها – لاحظ البئر مؤنثة والجب مذكر – من المياه الجوفية وليست من مياه الأمطار، وتكون أعمق من الجب، وفي الغالب من يلقى فيها يموت من السقوط أو الغرق؛ لذلك كان استعمال القرآن الكريم للفظ الجب استعمالا دقيقا، فسبحان من كان هذا كلامه، والله أعلى وأعلم .
إتبعنا