
كتب د. حربي الخولي
عندما نتأمل في سورة الكهف قوله تعالى : ” فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا”، نجد أن السياق ينسب نسيان الحوت للغلام ولموسى عليه السلام، رغم أن الآيات بعد ذلك أظهرت أن الذي نسي الحوت هو الغلام بدليل قوله تعالى :” فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)”؛ أي أن الغلام هو الذي نسي الحوت، فلماذا نسب النسيان لموسى والغلام فقال ” نسيا ” ولم يقل نسي الغلام ؟ ويتضح الأمر من خلال القصة نفسها، ففي حديث الصحيحين: قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا أعلم . قال فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك ، قال موسى أي رب كيف لي به فقيل له : احمل حوتا في مكتل، فحيث تفقد الحوت فهو ثم، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نون ” وهنا أمر موسى فتاه بأن يأخذ معه الحوت؛ أي سمكة يضعها في مكتل ” مقطف ” مع طعامهما ولم تكن السمكة لطعامهما لأنها هي العلامة على مكان العبد الصالح، فعندما يفقدها موسى يكون هذا مكان العبد الصالح، وبالفعل انطلقا وكان موسى دائما يسأل الغلام عن السمكة هل هي موجودة أم فقدت، فينظر الغلام في المكتل ويخبره بوجودها حتى بلغا مجمع البحرين، وهناك عين يقال لها عين الحياة، فناما هنالك، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء، فاضطرب وكان الغلام قد استيقظ ولم يستيقظ موسى، فشاهد الغلام الحوت وهو يضطرب وينطلق للماء بطريقة عجيبة، ولما استيقظ موسى أنسى الشيطان الغلام أن يخبره بما حدث حتى يضل طريقه ولا يلتقي بالعبد الصالح، كما نسي موسى نفسه أن يسأل الغلام كالعادة عن الحوت وهما في هذا المكان، وانطلقا فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } قال: { قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا } قال موسى { ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا } قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلا مسجى عليه بثوب، فسلم عليه موسى فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه . إذا كان النسيان متبادل فقد نسي الغلام ان يذكر لموسى قصة اضطراب الحوت ونزوله للماء ونسي موسى ان يسأله كالعادة عن الحوت هل هو موجود أم لا حتى يستدل على مكان العبد الصالح لذلك قال تعالى :” نَسِيَا حُوتَهُمَا ” . والله أعلى وأعلم

إتبعنا