لماذا لم يقدم يوسف المشيئة في قوله “يأت بصيرا”؟ ولماذا قال يعقوب “لأجد ريح يوسف” ولم يقل أشم ؟
في الدلالة
كتب د/ حربي الخولي
في سورة يوسف قال تعالى عن قول يوسف لإخوته :” اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ (94) ” فلماذا قال يوسف :” فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ” ولم يقل : إن شاء الله أو بإذن الله ، كما في قوله :” فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ” ؟ ولماذا قال يعقوب :” إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ” ولم يقل أشم مع أن الريح تشم ؟ .
وللإجابة – والله أعلى وأعلم – أن يوسف لم يقل إن شاء الله أو بإذن الله يأت بصيرا لأنه عندما علما من إخوته حالة أبيه وإصابته بالعمى حزنا عليه دعا الله أن يشفيه فوعده الله بذلك عن طريق قميصه ذلك القميص الذي قيل إنه من الجنة حيث ذكر بعض السلف أن نمرود لما ألقى إبراهيم في النار عاريًا، نزل إليه جبريل بقميص وطنفسة من الجنة، فألبسه القميص، وأجلسه على الطنفسة، وبقي القميص عند إبراهيم حتى كساه إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب، فأخذه يعقوب فجعله في قصبة من حديد أو فضة وعلقه في عنق يوسف لما كان يخشى عليه من العين، فأخبر جبريل يوسف أن يرسل به إلى يعقوب ليعود إليه بصره لما فيه من ريح الجنة؛ لأن ريح الجنة لا يقع على مريض إلا شفي ولا مبتلى إلا عوفي . وبالتالي عندما قال يوسف لإخوته :” اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا” لم يقل :” إن شاء الله أو بإذن الله”؛ لأنه إنما قال ذلك بوحي من الله وليس عن رأي يحتاج المشيئة للتحقق ،فالإنسان يقدم المشيئة لأنه لا يعلم ما سيصير من الله الذي قد يغير كل شيء، لكن عندما يؤكد الله لنبيه أن شيئا سيحدث فلا حاجة للمشيئة هنا لأن ذلك أمر إلهي مقضي به من الذي يقول للشيء كن فيكون .
أما عن سبب قول يعقوب :” إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ” ولم يقل أشم مع أن الريح تشم، فذلك لأن يوسف كان غائبا تماما عن يعقوب ولا يعرف له رائحة أو مكانا، وبالتالي عندما نشر يوسف قميصه – الذي يقال إنه من الجنة – وكان على بعد ليال من مكان يعقوب، انتشرت ريح قميص يوسف في الدنيا فشمها الذي يعرفها جيدا وهو يعقوب، وهنا قال أجد ريح يوسف بمعنى وجدت يوسف نفسه من خلال رائحة قميصه الذي لا يوجد له مثيل في الدنيا، ولو كان يوسف معلوم المكان وغائبا فقط عن يعقوب لقال أشم ريح يوسف، كما يقول الإنسان عندما يغيب عنه أحد يعز عليه فيتذكره فيقول : أشم رائحة فلان؛ لأنه يعلم مكانه لكنه غائب عنه فقط، أو يقول في موضوع يضايقه ويشك في أن أحدا سببه، فيقول أشم رائحة فلان في هذا الموضوع ولا يقول أجد رائحة فلان . والله أعلى وأعلم