بعد أن أخبرنا الله في المقطع الأول من الآية أنه زيّن الأرض بكل أشكال الزينة وضّح سبحانه سبب ذلك في قوله تعالى (لنبلوهم أيهم أحسن عملا)
فجعل هذه الزينة هي للابتلاء والاختبار، ليقيم الحجة على الطائع والعاصي بهذه الزينة وبهذه البهارج وبهذا البريق الزائف والزائل.
ومعناها أحسن العمل أخلصه وقيل هو الزهد في الدنيا و قيل فعل الطاعات و اجتناب المعاصي وقيل و قيل وقيل؛
لكن عماد ذلك كله هو التقوى كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم.
🌳(لنبلوهم أيهم أحسن عملا)
(لنبولهم) أي نختبرهم فنرى من يتبع أمري ويطيعني ومن يضل ويعصاني، من تعمي عينيه الزينة وتطمس قلبه.
فنميز المخلص المتجرد من الدنيا وزخرفها، الموصول بالله ومن أغرته الزينة وأغرقته في وحلها.
وحل الأموال والأولاد، وحل الجاه والسلطان، وحل الشهوات والأغراض، فكل ما سوى الله وحل وإن كان ذهبا.
هو سبخ الأرض وإن تدثر برونقها الزائف وقشرتها البالية.
🌳(لنبلوهم أيهم أحسن عملا)
(إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) الحديث.
وهذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم يدلل على ذات المعنى في الآية الكريمة، الدنيا الخضرة الحلوة، التي تفتن الناس عن ربهم وتسحبهم زاهلين عن آخرتهم.
فاتقوا الدنيا وأعلموا أن الله لم يطالبكم بالعمل الحسن بل العمل (الأحسن)،تأمل هذه الآيات
”وجادلهم بالتي هي أحسن”
”يقولوا التي هي أحسن”
”ادفع بالتي هي أحسن”
فالمسلم دائما مطالب بمعالي الأمور في الطاعة وفي العمل وفي الهمم يسعى دائما للأحسن لا للحسن فحسب،
فالعِبرةُ بالأحسَنِ لا بالأكثَرِ.
🌳(لنبلوهم أيهم أحسن عملا)
لكن هل الله يحتاج لاختبارنا ليعلم من يحسن العمل ومن يسيء؟!
حاشاه فعلمه أزلي، فقد علم ما كان وما سيكون قبل أن يوجد وقبل أن يكون، أحاط بكل شيء علما.
لكن الله ضرب لنا المثل بالاختبار لأن هذا ما تحتمل عقولنا الصغيرة فهمه واستيعابه فيقيم علينا الحجة ويميز الخبيث من الطيب.
فلو أدخل أحد النار دون اختبار لأتهم الله بخلاف العدل ورغم أن الله غني عن العالمين لا يضره نفع نافع ولا ضر ضار الا أنه جعل العدل صفته التي لا تنفك عنه أبدا.
وجعل الظلم لا يتطرق إليه بحال (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا)حديث قدسي ، فاقتضى تمام العدل الابتلاء والاختبار والتمحيص مع علم الله الكامل الأزلي بالحوادث في وعاء الزمن كله ماضيه وحاضره ومستقبله.
🌳(لنبلوهم أيهم أحسن عملا)
وهذه الآية الكريمة تلخص موضوع السورة تلخيصا بليغا ف (إنَّا جعلنا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَة لهَا لنبلوهم أَیُّهُمۡ أحسن عَملا)
فتأتي كمقدمة معجزة لأصحاب الكهف الذي تركوا كل زينة الأرض وكل مفاتنها و نجحوا في اختبار (لنبولهم أيّهم أحسن عملا)،
بل هي مقدمة لكل قصة وردت في الصورة و كل فتنة فتن الله بها عباده ليختبرهم ويمحَصهم، فجاءت الآية تخبرك أن هناك نماذج نجحت ووفت و كانت أحسن عملا واستحقوا تكريم أن تخلد قصتهم في كتاب الله.
فيا أخي الحبيب
“أحكم السفينة فإن البحر عميق،
وأكثر الزاد فإن السفر طويل،
وخفف الحمل فإن العقبة كؤود
وأخلص العمل فإن الناقد بصير”.
🌳افتح مصحفك وادخل كهفك_١٥
د. ممدوح المنير
كاتب وسياسي مصري