كتب / د. حربي الخولي
يعد عيد الأضحى – كل عام وحضراتكم بخير وسعادة وسرور – عيدا جليلا معظما لارتباطه بعبادة الحج ومكانتها عند الله وارتباطه بمشاهد عظيمة من قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل وزوجته هاجر عليهم جميعا السلام .
ويتساءل البعض عن الحكمة في الأمر بذبح إسماعيل ونجد – والله أعلى وأعلم – أن هذه الحكمة هي نفسها التي كانت في إبعاد يوسف عن أبيه يعقوب رغما عنه بأن ألقاه إخوته في البئر ورحلته إلى مصر حتى عاد إلى أبيه في النهاية بعد زمن طويل . فعندما طلب إبراهيم من الله أن يهب له غلاما بعد أن كبرت سنه فوهب له إسماعيل من السيدة هاجر، فكان يحب ذلك الغلام الصغير حبا جما حيث رزق به على كبر فتعلق قلبه به تعلقا شديدا، ولما كان الله يريد أن يخلص محبته في قلب خليله من الشريك بحيث يكون قلب الخليل إبراهيم كله خالصا لله ولا ينقص ذلك من رعايته لابنه وحبه له، لكن ليس الحب الذي يشغله عن حب الله وتعلقه بحب الولد عن حب الخالق، هنا كان الابتلاء والاختبار والله يعلم أن إبراهيم سينفذ الأمر وسيجتاز الاختبار وكذلك إسماعيل، لكن الله يحاسب على الأعمال وليس ما يعلمه هو، فكان نجاح إبراهيم في ذلك الابتلاء بحيث قدم حب الله وأمره على حب ولده إسماعيل فرفع الله مكانته وإسماعيل أكثر لديه بعد ذلك البلاء الكبير، إضافة إلى ذلك كان أيضاً إسماعيل -عليه السلام- صابرًا على هذا البلاء العظيم، وساعد والده على قبول أمر الله -تعالى- والانصياع إليه. كما جاء أمر الذبح لابن هاجر دون ابن سارة حتى يرقَّ قلب سارة على هاجر وابنها، وتتحول الغيرة الشديدة إلى رحمة وحب، أمَّا هاجر فقد جبر الله -سبحانه وتعالى- قلبها، وذلك حين جعل نهاية الوحدة، والبعد، والاستسلام لأمر الله بذبح ابنها تكريمًا لهما، فأصبحت آثارهما والمكان الذي مشت فيه بحثًا عن الماء أماكن عبادة يأتيها المسلمون من كل البلاد إلى أن يبعث الله العباد .
وهو الأمر نفسه في قصة إبعاد يوسف عن أبيه يعقوب وذلك بسبب محبة يعقوب ليوسف عليهما السلام محبة شديدة، قيل : “وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ ابْتِلاء يَعْقُوب بِيُوسُف كان سببه التفاته في صلاته إليه، ويوسف نائم؛ محبة له” وبعد أن عاد يعقوب مخلصا قلبه لله، متذكرا الله في كل وقت وحين، عالما أنه هو الحافظ وليس شغفه واهتمامه بابنه “فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰفِظٗاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ “، وأن الله هو الحاكم العدل في كل الحياة ” وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ ” و ” إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ “، وأخلص شكواه وقلبه لله ” إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ “، وبحبه لله وثقته فيه لم ييأس ” يَٰبَنِيَّ ٱذۡهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ “، فكانت المكافأة بعودة يوسف إليه بعد أن صار قلبه خالصا لله ” فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ فَٱرۡتَدَّ بَصِيرٗاۖ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ” . والله أعلى وأعلم