ملحمة النصر ( ١ ) .. تفاصيل أعظم يوم فى تاريخ مصر
كل شىء كان يبدو طبيعيا بسبب الخداع الإستراتيجى
نحن الآن أيها السيدات والسادة فى العاشر من رمضان سنة ١٣٩٣ هجرية يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر ١٩٧٣.
القيادة فى مصر كانت حريصة منذ البداية على وضع خطة خداع إستراتيجى لتضليل العدو بناءً على توجيهات الرئيس محمد أنور السادات ولذلك فكان كل شىء يبدو طبيعيا كأننا لسنا فى حالة حرب مصيرية.
كانت البداية فى صلاة الفجر من مسجد سيدنا الحسين بقلب القاهرة الجميع يستمع إلى تلاوة القرآن الكريم إيذانا بيوم رمضانى جديد .. وكما لو كان المولى عز قد ألهم فضيلة الشيخ محمد أحمد شبيب إمام المسجد أن يتلو بعض آيات الذكر الحكيم التى تبشر بالنصر وتحديدا الآية رقم ١٢٦ من سورة آل عمران فى قوله تعالى : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) .. ولما لا يتحقق النصر أليس قرآن الفجر كان مشهودا.
يوم تقليدى كأى يوم من أيام الشهر الفضيل .. الصحف تنشر أخبارا عادية منها الرئيس محمد أنور السادات يعقد إجتماعا مع هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأميركية .. وفى أخبار الرياضة أمس الجمعة الزمالك يتعادل .. والأهلى يفوز أما غزل المحلة حامل اللقب وبطل الموسم الماضى يلتقى اليوم مع فريق الطيران على ملعب نادى الترسانة بميت عقبة.
الفرق المسرحية تواصل عروضها مسرحية ” مدرسة المشاغبين ” تثير الجدل وتشغل الرأى العام وهى بطولة عدد من الشباب الصاعد بقوة فى عالم التمثيل أمثال عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبى وأحمد زكى وهادى الجيار مع الممثلة القديرة سهير البابلى والفنان الكبير حسن مصطفى ومدرس اللغة الفرنسية الفنان القدير عبدالله فرغلى.
أما فى عالم السينما فقد حقق فيلم “خلى بالك من زوزو ” للنجمة سعاد حسنى والفنان حسين فهمى أعلى إيرادات السينما المصرية.
كل شىء عادى يوم السادس من أكتوبر سنة ١٩٧٣ _ العاشر من رمضان سنة ١٣٩٣ تسير الأمور المعتادة على ما يرام فى يوم رمضانى لا يختلف كثيرا عن تلك الأيام التسعة التى إنقضت من هذا الشهر العظيم .. أصوات كبار قراء القرآن الكريم تزلزل وجدان الجميع وتخترق مسامعه وتتردد فى جدران كل المبانى.
أما طلاب المدارس فقد بدأوا الأسبوع الثانى من العام الدراسى .. الأسواق بعد الظهيرة بدأت تشهد زحاما ملحوظا بسبب إتجاه الكثيرين إلى شراء مستلزمات الإفطار فى طقس خريفى يميل إلى الحرارة.
نعم تسير الأمور بشكل تقليدى ولكن لازالت علامات الحزن والهم والغم ترتسم على وجوه الشعب الباسل ولازالت نكسة يونيو تلقى بظلالها على وجدانه وتسيطر على كل كيانه وينتظر لحظة الثأر الحاسمة لكى تسترد الكرامة ونستعيد الأرض المغتصبة التى يدنسها الصهاينة بأقدامهم القذرة ويلوثون هوائها بأنفاسهم العفنة.
وعقب أداء صلاة العصر بدأت تظهر فى الأفق بعض علامات النصر المبين حيث أصدرت القوات المسلحة أكثر من بيان عسكرى ومنها البيان التالى والذى صدر فى تمام
الساعة الرابعة و6 دقائق حيث خرج صوت المذياع ليعلن نص هذا البيان التاريخى:
.. هنا القاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
نجحت قواتنا المسلحة فى عبور قناة السويس على طول المواجهة وتم الإستيلاء على منطقة الشاطىء الشرقى للقناة وتواصل قواتنا حاليا قتالها مع العدو بنجاح.
كثيرون تركوا إفطارهم وراحوا يلفون الحوارى والأزفة فى كل شبر من أرض مصر الطاهرة مرددين عبارات النصر والمجد مثل .. ” الله أكبر .. تحيا مصر .. عاش الجيش المصرى وغيرها ” تماما مثلما كان يفعل أبطالنا فى جبهة القتال أمام ضد الكيان الصهيونى المتغطرس.
كل عام وكل الشعب المصرى و العربى فى عزة وفخر وكرامة ونصر الله الشعب الفلسطينى على العدو الصهيونى.
وللحديث بقية عن تلك الحرب المجيدة التى سطّر فيها رجال مصر العظماء أبطال القوات أنشودة النصر العظيم.
عبدالناصر محمد
كاتب وصحفي مصري