ألقت نكسة يونيو ١٩٦٧ بظلالها على الأوضاع السياسية فى مصر ، وقبل أن يخوض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورجاله حرب الإستنزاف تم البدء فى إتخاذ خطوات دولية ودبلوماسية فيما يخص إسترجاع أرض سيناء ، ولجأت مصر للأمم المتحدة وحققت مكاسب كبرى أهمها صدور القرار ٢٤٢ الذى أدان العدوان الإسرائيلي على الأراضى العربية وطالب بإنسحاب إسرائيل من جميع الأراضى العربية ، ولكن فى ظل الحماية الأمريكية للكيان الصهيونى لم يتم تنفيذ القرار وأصبح حبيس أدراج الأمم المتحدة إلى الآن.
كما رحبت مصر آنذاك بالمبادرات المختلفة التى كان يقوم بها بعض القيادات بالأمم المتحدة وأيضا مبادرة وزير الخارجية الأمريكية ويليام روجرز وهى المبادرة التى سميت بإسمه ولكن جميع هذه المبادرات بائت بالفشل بسبب التعنت الإسرائيلي.
وفى هذه الأثناء قرر الرئيس جمال عبد الناصر تكوين مجلس الدفاع الوطنى عام ١٩٦٨ والذى كان يضم ٥ وزارات هى الدفاع والداخلية والخارجية والإعلام والمالية لإتخاذ قرارات سريعة وحاسمة للأزمة الراهنة ، وبدأ الجيش المصرى فى تنفيذ عمليات عسكرية شرق قناة السويس ، وأعلن عبدالناصر بداية ما أطلق عليه ” حرب الإستنزاف ” والتى أطلق عليها العدو الإسرائيلي إسم ” حرب الألف يوم “.
عبدالناصر أطلق عليها هذا الإسم لأن الغرض منها هو إحداث أكبر أضرار ممكنة لقوة العدو ، تسببت هذه الضربات الموجعة للعدو الإسرائيلي فى مقتل نحو ٣٦٧ جندى إسرائيلى وجرح ألف جندى وإسقاط نحو ١٥ طائرة فانتوم الأمريكية التى كانت تستخدمها القوات الجوية الإسرائيلية وفقد طياريها وتفجير الرصيف الحربى الإسرائيلي فى إيلات وتدمير المدمرتين ” إيلات وداكار ” الإسرائيليتين فضلا عن تدميؤ زورق إسرائيلي محمل بالصواريخ فى الضفة الشرقية للقناة.
كل هذه الخسائر التى أرهقت العدو جعلته يخضع لقبول المبادرات ، وبالفعل تم وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل فى ٨ أغسطس سنة ١٩٧٠ .. وكانت مصر يوم ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ على موعد مع القدر حيث شهد هذا اليوم الفارق فى حياة جماهير مصر وكل شعوب الدول العربية رحيل الزعيم جمال عبد الناصر بشكل مفاجىء صدم الجميع .
وتولى البطل محمد أنور السادات المسئولية وبدأ الإستعداد للحرب وإتخاذ الخطوات نحو تحقيق النصر وإسترداد الكرامة وتحقيق النصر.
إعتمد الرئيس محمد أنور السادات على خطة خداع إستراتيجى لا زالت تدرس إلى الآن.
تضمنت خطة الخداع عدة محاور منها السماح لضباط الجيش بتسجيل أسماؤهم فى كشوف الراغبين فى أداء مناسك الحج عام ١٩٧١ وهذا يعنى عدم وجود خطة تعبئة عامة .. فضلا عن نقل ورش صيانة المعدات العسكرية للخطوط الأولى على الجبهة مما جعل عملية نقل الدبابات والأسلحة الثقيلة إلى الجبهة أمر طبيعى.
وفى هذه الأثناء تعاقدت مصر على إستيراد القمح على فترات متباعدة لكى لا تلفت نظر العدو بأنه يتم تخزين أى سلع أساسية إستعدادا للحرب .. بالإضافة إلى إستخدام اللغة النوبية فى نقل كل الإجراءات والتحركات المصرية لكى تكون مبهمة للجيش الإسرائيلي ، وكان صاحب هذه الفكرة هو المجند النوبى أحمد محمد أحمد إدريس.
كما تم تسريب معلومات عن الوضع الإقتصادى السىء فى مصر مما أوحى للعدو إستحالة دخول مصر أية حروب خاصة فى هذه الفترة الحرجة للغاية .
وكجزء رئيسى من خطة الخداع الإستراتيجي أن مصر سمحت لوزير الخارجية الأمريكى ” هنرى كيسنجر ” بزيارتها صباح يوم السادس من أكتوبر أى صباح يوم الحرب والذى أجرى مباحثات مع نظيره المصرى ” محمد الزيات ” حول عملية السلام بين مصر وإسرائيل.
وتم وضع خطة الحرب والتى أطلق عليها بداية إسم ” المآذن العالية ” والتى كانت تستهدف تحطيم خط بارليف الذى كان يتباهى به العدو الصهيونى بأنه يستحيل تجاوزه ومن ثم يتسنى للجيش المصرى عبور القناة .
ولكن الفريق أحمد إسماعيل وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة قام بتطوير الخطة والتى أطلق عليها إسم ” بدر ” ، وتقرر قيام الجيش السورى بمهاجمة العدو لتحرير هضبة الجولان مما يعطى الفرصة للجيش المصرى للدخول إلى عمق أكبر داخل شرق قناة السويس وتحرير مساحات كبيرة.
وفى المقابل كان العدو يتحدث بكل غرور وثقة تامة عن خط بارليف وعن إستحالة إجتيازه لدرجة قائد الجيش الإسرائيلي قال أن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصرى فى حالة التفكير فى عبوره.
خط بارليف هذا كان عبارة عن تحصينات عسكرية قوية للعدو بطول ١٨٠ كيلو متر من السويس إلى بورسعيد وبعمق ١٢ كيلو متر داخل سيناء وتم تقيسمه إلى ٣ خطوط.
الخط الأول عبارة عن ساتر ترابى إرتفاعه يتجاوز عشرون مترا ومُلغم وخلفه ٣٥ نقطة محصنة مصنوعة من أسمنت مسلح وكتل خرسانية وقضبان حديد تمتص أى صدمات إنفجارية وتوجد كذلك مواسير نابلم أسفل قناة السويس فى حالة إنفجارها تجعل درجة الحرارة فى قناة السويس ٧٠٠ درجة مئوية ، ولذلك توهم العدو أنه يستحيل عبوره.
أما الخط الثانى فهو يبعد عن الأول بنحو خمسة كيلو مترات وهو عبارة عن ١٢٠ دبابة لدعم الخط الأول .. فيما كان الخط الثالث عبارة عن مدرعات ووحدات مدفعية عددها ٢٤٠ دبابة وكل خط سوف يدعم الآخر.
ومما يجعل فكرة العبور أشبه بالمستحيل مياه قناة السويس نفسها التى وصفها السوفييت بأنها أقوى مانع مائى فى العالم نظرا لأن تيار المياه بها متعدد الإتجاهات.
.. وجائت ساعة الصفر الساعة ١٢٠٠ ، أو الساعة الثانية ظهر يوم السبت العاشر من رمضان السادس من أكتوبر ودقت معها طبول حرب إسترداد الكرامة وتطهير الأرض المصرية من العدو الصهيونى.
بقلم الكاتب الصحفى
عبدالناصر محمد