ملحمة النصر ( ٨ ) .. حكاية ” ثغرة الدفرسوار ” .. ومحاولات التقليل من نصر أكتوبر المجيد ( ٢ )
تفاصيل إجتماع قادة الجيش لبحث أزمة " الثغرة "
مازال الحديث عن أكذوبة ثغرة الدفرسوار بمحافظة الإسماعيلية والمطلة على قناة السويس وهى المنطقة التى تسللت منها قوات العدو فى محاولة لمحاصرة الجيش الثانى المصرى ووقف إمدادات الجيش الثالث له والعمل على إحتلال محافظة السويس وهو الأمر الذى جعل القوات الإسرائيلية هى الأخرى محاصرة بين الجيشين الثانى والثالث المصرى.
كان مقررا أن يقوم الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة بالإتجاه إلى منطقة الإسماعيلية بالقرب من ثغرة الدفرسوار يوم 16 أكتوبر ولكنه تأخر وذهب الى هناك بعد ذلك التاريخ بيومين أى يوم ١٨ أكتوبر وهو الأمر الذى لم يكن له تفسير خاصة فى ظل الخلاف الذى نشب بينه وبين السادات حول تطوير الهجوم حيث أنه كان محقا من الناحية العسكرية نظرا لأن مدى المدفعية المصرية لن يساعد على تغطية القوات التى ستقوم بتطوير الهجوم ، وما يركد على صحة وجهة النظر هذه أن القوات المصرية التى قامن بتطوير الهجوم تعرضت لخسائر كبيرة ، وفى المقابل كان لابد من الناحية الإستراتيجية تطوير الهجوم بهدف التخفيف على الجيش المصرى الأول وهو الجيش السورى رفيق الحرب والنصر.
ومنذ وصول الفريق سعد الدين الشاذلى إلى هذه المنطقة وهو دائم الإتصال بالفريق محمد عبدالغنى الجمسى رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة للتشاور وبحث الأمر ولكنه عاد مرة أخرى إلى الضفة الشرقية حيث تتمركز قوات الجيش وذلك يوم 20 أكتوبر بعد الظهر.
قام الشاذلى بعرض الصورة كاملة على الجمسى وبعض القيادات العسكرية وإقترح _ أى الشاذلى _ أن يقوم بسحب 4 لواءات مرة واحدة من الضفة الشرقية ونقلهم إلى الإسماعيلية لمواجهة القوات الإسرائيلية بالدفرسوار .. وهذا الأمر يعنى إنسحاب جانب كبير من قوات الجيش من الأرض التى إستطاع الجيش الوطنى تحريرها والسيطرة عليها وهو ما يعرض باقى القوات لخطورة كبيرة خاصة فى حالة تسرب هذه المعلومات للجانب الإسرائيلى الذى سيجدها فرصة لتعويض خسائره كما أن هذه الخطوة كان ينتظرها العدو ليقوم بالهجوم على القوات فى الضفة الشرقية وذلك حسب ما ذكره بعض القيادات العسكرية الإسرائيلية.
كان هدف الشاذلى من هذا الإقتراح هو مساندة الفرقة المدرعة التى تم تكليفها بمواجهة القوات الإسرائيلية بالدفرسوار حيث كان يخشى على هذه الفرقة من الهزيمة خاصة مع تزايد أعداد قوات العدو.
هذا الاقتراح من جانب الفريق سعد الدين الشاذلى لاقى رفضا قاطعا واعتراضا شديدا من الفريق عبدالغنى الجمسى لأنه يعنى سحب 440 دبابة دفعة واحدة من الدبابات التى حققت النصر ودحرت قوات العدو المتغطرس وتمكنت بفضل رجالها البواسل من تحرير مساحات شاسعة من الأراضى المحتلة وأعطت للعدو درسا قاسيا فى فنون الحرب والقتال وأن هذه الفكرة الطائشة تعنى التنازل عن النصر الذى حققته القوات المسلحة منذ السادس من أكتوبر وحتى تلك الفترة التى تمر بها هذه الاحداث وبالتالى منح فرصة من ذهب لإبادة القوات المصرية التى ستتبقى فى الضفة الشرقية وإعادة السيطرة عليها من جديد فضلا عن أن الفرصة ستكون متاحة لكى يحتل الغدو أكثر من ذلك وسوف يحدث ما لا يحمد عقباه بالإضافة إلى ضياع المكاسب الاستراتيجية والسياسية التى حققتها مصر خاصة وأن الهدف الاستراتيجى الذى كانت القيادة تسعى إلى تحقيقه من هذه الحرب هو إعادة الضفة الشرقية فقط إلى حضن الوطن ثم يتم التجهيز لإعادة باقى المساحات المحتلة فى معارك أخرى وبالتالى فلابد أن تتم المحافظة على المكاسب التى تحققت فى الضفة الشرقية.
وقد تم عرض الأمر على الرئيس السادات وعلى الفريق أحمد إسماعيل وزير الحربية وتسرب هذا الإقتراح إلى العديد من قادة الجيش والذين أبدوا إعتراضا شديدا أيضا عليه وإن كانت هناك مخاوف من قيام السادات بالموافقة عليه لدرجة أن الفريق محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية آنذاك كان يخشى من قبول هذا الإقتراح وحذر من قادة الجيش من قبوله وبرر رفضه القاطع للإقتراح بأن شبح نكسة 67 أصبح يلوح فى الأفق وقال أن سحب القوات سوف يؤدى إلى إحباط كل عناصر الجيش ويجعل البعض منهم يتجه إلى خلع الزى العسكرى والعودة إلى منازلهم وهو ما حدث فى أيام النكسة وبالتالى ستكون الفرصة سانحة أمام العدو للحصول على المزيد من المكاسب والتى ستجعله قريبا من إحتلال مدن ومحافظات كبيرة وتصبح كل زمام الأمور فى يد الصهاينة وأعوانهم خاصة فى ظل الدعم والمساندة الأمريكية المعهودة.
فى هذه الأثناء عقد إجتماعا شهيرا برئاسة الرئيس محمد أنور السادات حضره جميع قادة الجيش فى حرب أكتوبر وطبقا للأسلوب العسكرى المتعارف عليه فتعطى الكلمة لكل واحد ليطرح وجهة نظره فى الأزمة فتحدث أولا فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية والذى قال أن نوايا العدو تتجه نحو دخول مدينة الإسماعيلية أوالسويس حتى يحقق نصرا معنويا على الأقل لجنوده ولشعبه وسوف يكون هذا النصر بالنسبة لهم نصرا عظيما فيكفيه أنه سيطر على محافظة مصرية وأماكن إستراتيجية فى قلب الضفة الغربية فى ظل الإنتصارات التى حققتها القوات العسكرية المصرية على حساب الجيش الإسرائيلى فضلا عن طموحاته الخاصة بقطع خطوط المواصلات والتمويل بين الجيشين الثانى والثالث المصريين ولكى يرغم القوات المصرية على الإنسحاب إلى الضفة الغربية وبالتالى تضيع مكاسب حرب أكتوبر، مؤكدا أن هذه هى قدرات العدو ولا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك.
ثم جاء الدور على المشير محمد عبدالغنى الجمسى مدير هيئة عمليات القوات المسلحة والذى أعطى إحصائية عن القوات الموجودة فى الضفتين الغربية والشرقية، وقال أن هذه القوات لديها ذخيرة كبيرة جدا وكذلك الإمدادات وأن القوات لديها قدرة على التشبث بالأرض وبالتالى فإن قواتنا المسلحة ستكون بمثابة صخرة سوف يتحطم عليها قوات إسرائيل ولذلك فإن المكاسب التى تحققت سياسيا وإستراتيجيا هى فى الشرق وأن سحب 4 لواءات كما يقول البعض سوف يحدث خلل للقوات فى الضفة الشرقية ولا يجب مطلقا سحب أى عسكرى من الضفة الشرقية وأن القتال من خلال قواتنا فى الضفة الغربية والعدو أمامه القنال وخلفه الجبل والخسائر عنده فى الثغرة ستكون فادحة وسوف يتعرض لمشاكل جسيمة.
وقد أيد جميع القادة رأى الجمسى بإستثناء الشاذلى الذى لم يبد موافقة أو رفض بل والغريب أنه حين جاء الدور عليه ليطرح وجهة نظره لم ينطق بكلمة واحدة وظل صامتا رغم أن اللواء عبدالفتاح عبدالله وزير الدولة فى شئون رئاسة الجمهورية قام بتنبيهه ودعاه للكلام غير أنه ظل صامتا وحين رأى السادات هذا الموقف الصامت من جانب الشاذلى إعتبره موافقا هو الآخر على وجهة نظر الجمسى فقال السادات ” مفيش عسكرى واحد فى الضفة الشرقية يرجع للضفة الغربية”.
… وإلى الحلقة القادمة
الملف من إعداد الكاتب الصحفى المصرى
عبدالناصر محمد