مقالات

ملحمة النصر ( ٨ ) حكاية ” ثغرة الدفرسوار ” .. ومحاولات التقليل من نصر أكتوبر المجيد ( ٣ )

لا شك أن المعركة الضارية التى دارت مع العدو الصهيونى بقيادة عدد من كبار قيادات جيشه تعد هى الأكثر شراسة من بين المعارك العديدة التى شهدتها حرب أكتوبر المجيدة قاتل فيها اللواء 16 مشاة قتالا عنيفا وهو الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى ويضم أيضا الفرقة 21 المدرعة والتى تكبدت لخسائر على أيدى القوات الصهيونية فى تطوير الهجوم وعادت إلى رأس الجسر للتمركز به، لذلك ففي رأس الجسر تمركزت الفرقة 16 و كان هناك 6 لواءات على الورق (3 ألوية من الفرقة 16 مشاة، و3 ألوية من الفرقة 21 المدرعة) مما جعله مكتظاً إلى أقصى درجة، ومما جعل القصف الإسرائيلي المركز ضد الفرقة مؤثراً للغاية في حجم الخسائر.
ويتحكم اللواء 16 مشاة في تقاطعي طرق هامين للغاية هما تقاطع طرطور وتقاطع أكافيش (الممتدين من الدفرسوار إلى وسط سيناء) ، وكان من المفترض أيضاً أن يكون اللواء مسيطر على موقع تل سلام الحصين والذي حُرر يوم 6 أكتوبر لكن لسبب ما تم ترك الموقع مهجورا بعد تحريرة يوم 6 أكتوبر ويشمل موقع اللواء أيضاً مزرعة الجلاء للأبحاث الزراعية والتي سماها الإسرائيليين بعد النكسة المزرعة الصينية التى سبق أن تحدثنا عنها.
بدأ أول هجوم على اللواء سعة 0500 يوم 15 أكتوبر بقصف مدفعي مركز جداً جداً أعقب ذلك تقدم لواء مدرع (لواء توفيا – من فرقه شارون) ضد اللواء الثالث ميكانيكي (لواء الوسط بالفرقة 16 مشاة) بهدف جذب الأنظار إلى الشرق بينما التركيز الإسرائيلي تجاه الجنوب واللواء 16 مشاة واستنتج المصريين أن الإسرائيليين يريدون طي جناح رأس الجسر المصري بهدف تقليص حجمه.
في نفس الوقت تحرك لواء أمنون (من فرقة شارون) تجاه الجنوب ليجد نقطة تل سلام مهجورة مما أشاع روح من التفاؤل لديهم فقد ظهرت القناة في الأفق وبدون مجهود يذكر.
بعدها قام أمنون بدفع كتيبة دبابات تجاه الشمال لمحاولة فتح محور أكافيش إلا أنه وجد أن المصريين قد أغلقوه. وقام بدفع بقية اللواء (عدا كتيبة) تجاه الشمال بمحاذاة القناة لمهاجمة الكتيبة 16 مشاة من اللواء 16 مشاة وعند لحظة وصوله لمفترق طريق طرطور إنهالت عليه الصواريخ ( M D ) من الكتيبة 16 وتم على الفور تدمير27 دبابة من أصل 58 بدأ بهم التحرك أي أنه خسر 30 % من قوة لوائه في دقائق ورغم الخسائر إلا أن عدد من دباباته إنطلق بحذاء الساتر الترابي الشرقي وفي لحظة وجد أمنون نفسه وسط منطقة الشئون الإدارية للفرقة 16 مشاة حيث المئات من عربات الفرقة 16 والفرقة 21 المدرعة وكانت مفاجأة رهيبة للجانبين ودارت معركة قصيرة أُستخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة المتيسرة فقد ضربت مدفعية الفرقة ضرب مباشر تجاه الدبابات المخترقه لمواقع الفرقة.
وقامت كتيبتان من اللواء الأول مدرع بهجوم مضاد ناجح أجبر قوة أمنون على الارتداد جنوباً تجاه نقطه تل سلام وهو ينعي حظه من خسائره الكبيرة في ذلك الصباح وجدير بالذكر أن لواء أمنون كان المكلف بزحزحة دفاعات اللواء 16 مشاة إلى الشمال بهدف فتح طريق للقناة مما يعني حتمية سيطرته على تقاطع طرق أكافيش – طرطور وكانت مهمه أمنون المباشرة هي السيطرة على المزرعة الصينية (قرية الجلاء) كمهمة مباشرة حتى يتسنى لبرن وماجن العبور غرباً.
وقام أمنون بهجومه الثالث في ذلك اليوم بقوة كتيبة ميكانيكية تدعمها سرية دبابات للهجوم على مفترق الطرق، لكن فور تقدم السرية المدرعة تم ضربها بسرعة خاطفة ودمرت عن أخرها، أما الكتيبة الميكانيكة فقد انهمرت عليها المدفعية وقذائف ( M D ) مما أرغمها على التوقف وفشلت كل محاولات انسحابها وتخليصها من الاشتباك ومع الوقت ادرك أمنون تماماً أن القوة (كتيبة ميكانيكية وسرية الدبابات قد دمرت عن أخرها) ، فحاول مرة أخرى تخليص ما تبقى من الكتيبة الميكانيكية على أمل وجود أحياء فدفع بسرية دبابات إلا أن تلك السرية عانت من قصف مركز حال دون تنفيذ مهمتها وانسحبت على الفور.
في نفس الوقت دار حوار تليفوني بين موشيه ديان وزير الدفاع الاسرائيلى وجونين قائد لواء الجنوب تختصره عبارتان:
ديان : لقد حاولنا لكن كل محاولتنا ذهبت أدراج الرياح، ولذا أقترح إلغاء فكرة العبور لأن المصريين سيذبحون أولادنا على الشاطئ الغربي.
جونين : لو كنا نعلم مسبقاً أن ذلك سيحدث ما بدأنا عملية العبور أما الآن فقد عبرنا فلنستمر حتى النهاية المريرة.
وهاتين العبارتين من المراجع الإسرائيلية التى تُظهر مدى فداحة الخسائر الإسرائيلية في عمليه فتح محور العبور.

فى هذه الأثناء كان الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة قد تقدما بمشروع قرار مشترك إلى مجلس الأمن تضمن دعوة جميع الأطراف المشاركة في القتال إلى وقف إطلاق النار بصورة كاملة وإنهاء جميع الأعمال العسكرية في مدة لا تتجاوز 12 ساعة من لحظة اتخاذ هذا القرار.
وقد وافق مجلس الأمن على القرار في 22 أكتوبر 1973 وصدر تحت رقم 338 فوافقت عليه مصر فور صدوره، ووافقت عليه سوريا بعد يومين ضمن شروط محددة كانت قد أعلنتها، في حين لم تحدد إسرائيل موقفها منه.
ورغم ذلك فقد استمر وقف إطلاق النار عدة ساعات على الجبهة المصرية، ثم عادت إسرائيل إلى مواصلة عدوانها قاصفة مدينة السويس ودافعة بقوات جديدة لتعزيز قواتها في ثغرة الدفرسوار فى محاولة منها لإحتلال مدينة السويس وكان الغرض من ذلك الأمر هو الجلوس على مائدة المفاوضات وهى محققة أكبر مكاسب ممكنة.
ازاء هذا الوضع عقد مجلس الأمن اجتماعاً ثانياً في 23 أكتوبر 1973 وأصدر قراراً جديداً حمل الرقم 339 دعا فيه مجدداً إلى وقف إطلاق النار وعودة الأطراف المتحاربة إلى المواقع التي كانت تحتلها قبل 22 أكتوبر 1973. لم ترضخ إسرائيل لقرار مجلس الأمن الدولي الجديد، واستمرت في إطلاق النار والتقدم داخل الأراضي المصرية بهدف حصار السويس والجيش الثالث الميداني وتمكنت من قطع الطريق بين القاهرة والسويس.
عندها اجتمع مجلس الأمن الدولي للمرة الثالثة في 25 أكتوبر، وأصدر قراراً ثالثاً حمل الرقم 340 كرر فيه دعوته لوقف النار فوراً، وقرر إنشاء قوة طوارئ تابعة للأمم المتحدة مؤلفة من أفراد تقدمهم الدول الأعضاء في المنظمة الدولية باستثناء الدول التي تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن.
إثر صدور هذا القرار توقف إطلاق النار على الجبهة المصرية، فدعا الجنرال إنسيو سيلاسفو قائد قوة الطوارئ الدولية مصر وإسرائيل إلى عقد اجتماع يبحث في الترتيبات اللازمة لوقف إطلاق النار.
عقد الاجتماع الأول في خيمة تابعة للأمم المتحدة نصبت عند الكيلو 101 على طريق القاهرة-السويس. وقد تم بإشراف الجنرال إنسيو سيلاسفو ممثلاً للأمم المتحدة، وحضور وفد مصري برئاسة الفريق محمد عبد الغني الجمسي، ووفد إسرائيلي برئاسة الجنرال أهارون ياريف.
وصدر قرار مجلس الأمن340 الذي قضي بإنشاء قوة طوارئ دولية لمراقبة وقف إطلاق النار والعودة لخطوط 22 أكتوبر وبجهود أمريكية وافقت مصر وإسرائيل علي إجراء مباحثات لتثبيت وقف إطلاق النار وتوصيل الإمدادات لقوات الجيش الثالث.
وقاد الفريق محمد عبدالغنى الجمسي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة مفاوضات الكيلو101 التي بدأت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل واستمرت حتي الرابعة والنصف صباحا داخل أحد المواقع الإسرائيلية.
يقول الجمسي توجهت في عربة جيب واصطحبت معي عربة عسكرية أخري تحمل مجموعة مسلحة من الصاعقة للحراسة ورافقتنا عربة من قوات الطوارئ الدولية, وعندما وصلنا لمكانالاجتماع.. اصطف الضباط الإسرائيليون برئاسة الجنرال أهارون بارليف مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي وقاموا بتأدية التحية العسكرية, وقمنا برد التحية.
وخلال المناقشة كنا نعطي الأولوية لإعادة القوات الإسرائيلية لخطوط 22 أكتوبر وضمان إمداد السويس والجيش الثالث.
وكان الإسرائيليون يعطون الأولية لتبادل الأسري وإبقاء قواتهم علي طريق مصر السويس.
ثم نصبت 3 خيام بشكل رسمي وأصبح يسمح لرجال الإعلام بحضور المفاوضات التي استمرت سبع جلسات دون أن تحقق أي شيء .. ووفى هذه الأثناء تدهورت أوضاع جنود وضباط جيش الإحتلال نتيجة نجاح القوت المصرية فى قطع الإتصالات والتمويل والامداد وحين تم الإتفاق على السلام تم الإتفاق أيضا على ” الخروج الآمن ” للقوات الاسرائيلية من الدفرسوار وعلى ما يبدو أن هذا الأمر كان ينتظره الجنود الاسرائيليين والذين رفعوا صورة الرئيس أنور السادات تحية له وللقوات المصرية التى قبلت وقف
إطلاق النار وكذلك خروجهم الآمن من هذه الثغرة فضلا عن التنازل عن شرط خروج القوات الاسرائيلية من الثغرة بدون أسلحة ، ووافقت مصر بقيادة الرئيس السادات على إعادة الأسرى الإسرائيليين وهو ما تم بالفعل وعاد الأسرى بعد ألبستهم مصر بأمر من السادات ” البيجامات الكستور المخططة ” من إنتاج شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وسيظل هذا المشهد المخزى لجنرالات وجنود إسرائيل عالقا بأذهاننا كدلالة على عظمة مصر وجيشها العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى