كتب د. حربي الخولي
وجدت في أحد مواقع الإلحاد التي انتشرت فرية وتكذيبا وسخرية من قوله تعالى : ” إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) آل عمران . وقوله تعالى : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [ وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله ] إن الله عزيز حكيم ) [ الأنفال : 9 ، 10 ] . وقوله تعالى : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } (الأنفال:12) .
وكان موطن السخرية – الناجمة عن الجهل وعدم تدبر آيات القرآن الكريم – في أنه مما ثبت في السنة أن جبريل وحده من الملائكة له قوة خارقة عظيمة، حيث صورته تسد الأفق وله ستمائة جناح، وكذلك الملائكة لهم قوة عظيمة خارقة، فهل يحتاج ألف من الكافرين يوم بدر أو ثلاثة آلاف من الكافرين يوم أحد أن يُنزَّل عليهم ثلاثة آلاف من الملائكة أو خمسة آلاف ؟ القضاء عليهم لا يحتاج إلا لملك بسيط وليس حتى جبريل فيضربهم بجناحه فيقتلهم جميعا في غمضة عين، ولكن حتى مع نزول الثلاثة آلاف من الملائكة لم يتمكنوا من القضاء تمام على الكفار يوم بدر، فعدد قتلى الكفار يوم بدر سبعين رجلا من ألف رجل، وعدد الأسرى كذلك سبعين رجلا، وعاد باقي الألف سالمين لديارهم، وقُتل من المسلمين أربعة عشر رجلا !؟
وطبعا الإجابة ميسورة ومنطقية لمن يتدبر آيات القرآن الكريم ولا يخرج عنها لمرويات غير موثقة، فيشطط ويجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، فالسؤال هنا : هل إرسال الله الملائكة للمسلمين ليكونوا قوة معنوية تثبت القلوب، أم قوة مادية تقاتل بالفعل قاتلا ماديا بحتا فيموت الكافر من جراء قتل المَلك له ؟
إذا كانت الإجابة بان إرسال الله الملائكة ليكونوا قوة مادية بالفعل إذا سيظهر أثرهم واضحا في القتال، فيجد الكفار أنفسهم يُقتلون من دون رؤية من يقتلهم، أو يتشكل الملائكة في صورة المؤمنين بالفعل فيكون عدد المسلمين الفعلي وقتها مع ثلاثة آلاف من الملائكة قد صار العدد الظاهر في يوم بدر 3313 ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، ويوم أحد أربعة آلاف ظاهرين، أو يتلبس الملك المسلم فيصير المسلم في قوة سوبرمان يقتل من يواجهه، ووقتها لم يكن ليموت أحد من المسلمين ولهلك كل الكفار عن بكرة أبيهم، وهذا ما لم يقل به المشركون أنفسهم، ولو كان هذا ما حدث لقال المشركون هزمتنا الملائكة يوم بدر ولا فضل للمسلمين في ذلك، وهزمنا نحن الملائكة يوم أحد وتمكنَّا من ذلك بقوة آلهتنا .
إذا يبقى أن إرسال الله للملائكة مع المسلمين تثبيتا معنويا لهم لا أكثر، لأن ذلك سنة كونية تخضع لمقاييس الحياة التي خلقها الله، والدليل قوله تعالى { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ }(التوبة:14) ؛ أي أن الله يقتلهم ويعذبهم بأيديكم أنتم ومن فعلكم أنتم وليس من فعل الملائكة ولكن بتثبيتهم قلوبكم للقتال والصبر، كما يقول سبحانه وتعالى :” بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ “، تأمل في تعقيب الله على إمداد المسلمين بخمسة آلاف من الملائكة، حيث يحصر الأمر باستخدام إلا في أن ذلك للبشرى فقط ولتطمئن القلوب بوجود الملائكة دعما معنويا لهم، ولم يقل الله أنه جعل الملائكة لقتل الكفار وإنهاء وجودهم في الحياة، ولو أراد الله ذلك فلماذا إذا يجعل المسلمين يحاربون ويأمرهم بالاستعداد للحرب وتجهيز السلاح، وكان يكفي أن يرتاح المسلمون ويرسل الله ملكا واحد فيقضي على الكفار كما أرسل الطير الأبابيل فقضت على أبرهة وجيشه بالكامل ؟ والأمر نفسه في قوله : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [ وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم “. وفي قوله ” إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ “، لاحظ أن الله أوحى للملائكة المنزلين مع المسلمين بأن يثبتوا المسلمين، والتثبيت لا يعني القتال بدلا منهم ، ولكن يعني تثبيت قلوبهم بنصر الله كما أن الله ألقى الرعب في قلوب الكافر حتى يخشى المسلمين رغم قلة عددهم، ولو كان الملائكة هم المحاربون لما كان لإلقاء الرعب في قلوب الكافرين قيمة، فملك واحد قادر على قتلهم سواء في قلوبهم شجاعة أو لا .
إذا الأمر يعني أن الله يطمئن عباده بأن الملائكة في صفهم يشهدون لهم بالإيمان ضد عدوهم؛ مما يحفز عزيمتهم على عدوهم ويدفعهم للقتال وتنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما إن خالفوا الرسول ولم يلتزموا أمر الله بالصبر والثبات والقوة في اللقاء فلن تنصرهم الملائكة ولن يكونوا في صفهم حينئذ كما حدث في يوم أحد، وهذا الأمر؛ أي تثبيت الملائكة يشبه الآن تحفيز الشؤون المعنوية للجنود بأنهم على الحق، وأن الله معهم، وأن من مات فهو شهيد، فتجد الجندي يحارب بكل قوة وعزيمة ولن يتكل على أن الله سيرسل ملائكة تحارب عنه ؛ لأن الأمر يجري مجرى السنة الكونية التي جعلها الله في الدنيا، وهي أن تستعد لعدوك وتحاربه بقوة وأنت تستعين بالله، فيكون النصر من عند الله على يديك فتأخذ أجر السنة الكونية وهو الاستعداد للقتال، وتأخذ أجر السنة الشرعية وهو الاستعانة بالله بعد الاستعداد للقتال، أما إذا خالفت السنة الشرعية ولم تستعن بالله واستعددت للقتال بكل سلاح فقد تنتصر وأنت كافر لأنك عملت بالسنة الكونية التي سنها الله فقط، وإذا كنت مؤمنا ولم تأخذ بالسنة الكونية وهي الاستعداد، وأخذت بالسنة الشرعية وهي الإيمان فتأخذ أجر السنة الشرعية وهو الاستشهاد، ولكنك قد تُهزم لأنك لم تأخذ بالسنة الكونية وهي الاستعداد للحرب كما أمرك الله، فالملائكة تثبت قلبك ما دمت تأخذ بالسنة الشرعية، ولكنها لن تحارب معك حربا مادية حسية، وهذا الأمر واضح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رجلا شتم أبا بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس يعجب ويتبسم (من شتم الرجل وقلة حيائه)، فلما أكثر ردّ (أبو بكر) عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما رَدَدْتُ عليه بعض قوله غَضِبْتَ وَقُمْتَ!! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان معك مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْك، فلما رددْتَ عليه وقع الشيطان (أي حضر)، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مع الشّيطان) . فهل كان الملك ظاهرا وهو يثبت أبا بكر ويدافع عنه ؟ .
والله من وراء القصد وهو أعلى وأعلم، فإن أكن أصبت فمن الله وإن أكن أخطأت فمن نفسي والشيطان .
إتبعنا