هل نتعلم من الرئيس السيسي في إدارته لملف غزة في إدارتنا لمدارسنا!!

في زمنٍ تتقاطع فيه الأزمات السياسية مع التحديات التربوية، يبرز سؤال لافت وعميق: هل يمكن أن نتعلّم من الرئيس عبد الفتاح السيسي في إدارته لملف غزة، كيف ندير مدارسنا؟
قد يبدو السؤال غريبًا للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة دعوة للتأمل في فن الإدارة تحت الضغط، وصناعة القرار في أحلك الظروف، والقدرة على تحقيق التوازن بين الحزم والرحمة، وبين المبدأ والمصلحة.
*إدارة الموقف.. لا إدارة الأزمة*
منذ اندلاع الأحداث في غزة، لم تكن إدارة مصر للمشهد مجرد رد فعل، بل كانت فنًّا في ضبط الإيقاع وسط عاصفة من الضغوط. لم يُسمع صوت انفعال، ولم يُرَ قرارٌ متسرع، بل كانت كل خطوة محسوبة بعقل الدولة لا بعاطفة اللحظة.
وهذا أول درس يمكن لمدير مدرسة أن يتعلمه: الإدارة ليست في السيطرة على الأزمة، بل في إدارة الموقف بحكمة تمنع الأزمة من التفاقم أصلاً.
في المدرسة كما في السياسة، الانفعال قد يربك الجميع، لكن الهدوء المنضبط يصنع الثقة ويمنح القرار هيبته.
*القيادة الهادئة.. والعقل البارد*
الرئيس السيسي، في تعامله مع الملف الفلسطيني، أظهر نموذجًا نادرًا من القيادة الهادئة. لم يرفع الصوت، ولم يسعَ إلى استعراض المواقف، بل مارس ما يمكن أن نسميه “العقل البارد في زمن النار”.
وهذا ما تحتاجه إدارات التعليم اليوم. كم من مدرسة تتدهور فقط لأن مديرها يتخذ قراراته بدافع الغضب أو الانفعال أو الرغبة في الردّ السريع؟
الإدارة التعليمية، شأنها شأن إدارة الدولة، تحتاج إلى قائد يملك قلبًا إنسانيًا ولكن بعقل استراتيجي، لا يترك مشاعره تسبق قراراته.
*الإنصات قبل القرار*
واحدة من أبرز سمات إدارة الرئيس السيسي لملف غزة كانت الاستماع إلى كل الأطراف قبل اتخاذ القرار. لم يغلق الأبواب، ولم يتحدث بلغة “الواحد الصحيح”، بل أعطى لكل طرف مساحة ليُعبّر.
في المدرسة، المعادلة نفسها تنجح دائمًا. المدير الذي يستمع للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، قبل أن يُصدر تعليماته، لا يفقد احترامه بل يكسب ثقة الجميع.
فالاستماع ليس ضعفًا، بل قوة القائد الواثق من نفسه.
*التوازن بين الصرامة والرحمة*
في السياسة، كما في التعليم، الإفراط في الحزم يُنتج خوفًا، والإفراط في اللين يُنتج فوضى.
الرئيس السيسي في إدارة الملف الفلسطيني سعى لأن يحفظ هيبة الدولة المصرية، وفي الوقت ذاته، لم يُغلق أبواب المساعدات أو المبادرات الإنسانية.
وهنا المعنى العميق الذي يجب أن نتعلمه في مدارسنا:
كن حازمًا في حماية النظام، لكن رحيمًا في فهم الإنسان.
*الرؤية البعيدة.. لا اللحظة القريبة*
الإدارة السياسية المصرية للملف الفلسطيني لم تكن بحثًا عن مكسبٍ إعلامي أو لحظة شعبية، بل رؤية استراتيجية تحفظ لمصر مكانتها ودورها التاريخي.
وكذلك في المدرسة: لا تقُس نجاحك بعدد القرارات التي تتخذها اليوم، بل بكمّ القيم التي تزرعها في طلابك للغد.
المدير الناجح لا يبحث عن “الهدوء المؤقت”، بل عن الاستقرار المستدام.
*القيادة رسالة لا منصب*
في النهاية، ما فعله الرئيس السيسي في إدارة ملف غزة لم يكن أداءً سياسيًا فقط، بل درسًا في القيادة المسؤولة التي تضع الإنسان أولًا.
وهذا بالضبط ما تحتاجه مدارسنا اليوم: أن يعود التعليم إلى جوهره الإنساني، وأن يدرك كل مدير وكل معلم أن القيادة ليست “سلطة”، بل أمانة ومسؤولية.
حين نقرأ المشهد بعمق، ندرك أن الإدارة — أيًا كان مجالها — ليست علمًا فقط، بل فنٌّ في قراءة الناس، والمواقف، واللحظات.
من الرئيس السيسي نتعلّم أن القائد الحقيقي لا يُقاس بصوته العالي، بل بقدرته على حماية وطنه دون أن يفقد إنسانيته.
فهل نجرؤ نحن، في مدارسنا، أن نُعيد تعريف الإدارة على ضوء هذا الدرس الكبير؟
ربما آن الأوان أن نقول: نعم، نتعلّم من الدولة كيف ندير المدرسة.
الدكتور ناصر الجندي
الخبير التربوي