كتب د/ جربي الخولي
عند تامل بعض آيات القرآن الكريم نجد قوله تعالى :” إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴿٢ الزمر﴾ وقوله تعالى :” وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَـٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴿٤٧ العنكبوت﴾ وقوله تعالى :” إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴿١٠٥ النساء﴾
وكلها بصيغة :” أنزلنا إليك ” ثم نجد قوله تعالى :” إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴿٤١ الزمر﴾ ، وقوله تعالى :” أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٥١ العنكبوت﴾، وقوله تعالى :” وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٦٤ النحل﴾ ، وقوله تعالى :” مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ﴿٢ طه﴾. وكلها بصيغة :” أنزلنا عليك ” والملاحظ أن صيغة :” أنزلنا إليك ” تتوافق غالبا مع مقام النبوة، فيظهر أن أنزلنا إليك تدور حول معنى أن الله أنزل إليك القرآن الكريم لتؤمن به أنت، وتعمل به وتقترب من الله وتكون نبيا من الصالحين، هذا هو الملاحظ في قوله تعالى :” إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴿٢ الزمر﴾، فالمقصد من الإنزال أن تعرف الله وتعبده مخلصا له الدين، وفي قوله :” إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴿١٠٥ النساء﴾؛ بمعنى أن تعرف أنت الحق فتتبعه في كل حياتك وبين الناس . بينما في قوله :” أنزلنا عليك ” تقتضي معنى آخر وهو معنى الرسالة بعد النبوة ، فأنزلنا عليك تقتضي الإبلاغ للناس كما في قوله تعالى :” إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴿٤١ الزمر﴾، فهنا أنزلنا عليك تقتضي أن يكون هذا الإنزال لتبلغه للناس وكل إنسان بعد ذلك حر في الإيمان أو الكفر ، وقوله :” وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٦٤ النحل﴾؛ أي أن الإنزال لتبين للناس وتبلغ وتعلمهم ما أرسلت به وهكذا، فآيات “أنزلنا إليك” في الغالب مع مقام النبوة دون طلب الإبلاغ للناس، وآيات “أنزلنا عليك” مع مقام الرسالة وضرورة الإبلاغ للناس، وبذلك آيات أنزلنا عليك فيها مشقة الإبلاغ للناس؛ لذلك جاءت المشقة مع أنزلنا عليك كما في قوله تعالى :” :” مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ﴿٢ طه﴾ والله أعلى وأعلم .
إتبعنا