وسط قتل النساء في غزة وتشريدهن في السودان.. العالم يحتفل باليوم العالمي للمرأة!
كتب: شريف حماده
يحتفل اليوم في الثامن من مارس العالم بيوم المرأة، في ظل أوضاع إنسانية سيئة تعيشها ملايين النساء في عدد من الدول وبخاصة التي تشهد صراعات مسلحة ، مثل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي تسبب في قتل ما يزيد عن 9 آلاف سيدة فلسطينية منذ الثامن من أكتوبر الماضي، إضافة إلى تشريد ما يقارب من مليون سيدة في السودان بسبب الصراع المحتدم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
فمنذ أكثر من مئة عام، جرى تخصيص الثامن من مارس يوما عالميا للمرأة.
ولكن ما سبب تخصيص هذا اليوم بالذات للمرأة عالميا؟، وما هو تاريخه المحدد بين أيام السنة؟، وما أهمية مثل هذا التقليد؟
كيف بدأ الأمر؟
.
في عام 1910، كلارا زيتكن أول من دشّن اليوم العالمي للمرأة، حيث خرج اليوم العالمي للمرأة من رحم الحركة العمالية ليصبح حدثا سنويا معترفا به من قبل الأمم المتحدة.
وقد غُرست بذور هذا اليوم في عام 1908، عندما خرجت 15 ألف امرأة في مسيرة جابت مدينة نيويورك مطالبات بتخفيض عدد ساعات العمل، وبزيادة الأجور، وبالحق في التصويت.
وفي العام التالي، أعلن الحزب الاشتراكي الأمريكي عن اليوم العالمي للمرأة لأول مرة.
وقد تفتّقت فكرة أن يكون هذا اليوم عالميا عن ذهنية امرأة تدعى “كلارا زيتكن”، وهي ناشطة يسارية وحقوقية نسوية.
اقترحت كلارا الفكرة في عام 1910، وكان ذلك في مؤتمر دولي للمرأة العاملة في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، وسط حضور 100 امرأة أخرى من 17 دولة، وقد لقيت الفكرة موافقة الحضور بالإجماع.
وبالفعل بدأ الاحتفال الأول بهذا اليوم عالميا في عام 1911، وذلك في كل من أستراليا والدنمارك وألمانيا وسويسرا. وفي عام 2011 جرى الاحتفال بمئوية اليوم العالمي للمرأة.
وقد اكتسب الاحتفال باليوم العالمي للمرأة طابعاً رسميا في عام 1975، عندما بدأت الأمم المتحدة تحتفل بذلك اليوم.
ومن بعدها، أصبح يوم الثامن من مارس تاريخا للاحتفال عالميا بالمرأة أيّا كان موقعها من المجتمع، سياسيا أو اقتصاديا، بينما كانت الجذور السياسية لذلك الحدث تعني إضرابات ومظاهرات نُظّمت بالأساس لرفع الوعي بعدم المساواة القائمة بين الجنسين.
وعندما اقترحت كلارا زينكن الاحتفال بيوم عالمي للمرأة، لم تحدد يوما بعينه، ولم يتخذ الأمر طابعا رسميا قبل إضراب جرى تنظيمه في زمن الحرب وتحديدا في عام 1917، عندما طالبت نساء روسيات بـ “الخبز والسلام”– ومع دخول ذلك الإضراب يومه الرابع، اضطر القيصر إلى الإذعان لمطالب هؤلاء النسوة المضربات، كما أقرّت لهن الحكومة بالحق في التصويت.
وكان اليوم الذي بدأت فيه الروسيات إضرابهن هو الأحد 23 فبراير بالتقويم اليولياني (الرومي) الذي كان معمولا به في روسيا آنذاك. وكان ذلك اليوم يوافق الثامن من مارس تبعا للتقويم الجريجوري (الميلادي) المعمول به الآن.
لماذا يرتدي الناس ملابس أرجوانية اللون؟
يعتبر اللون الأرجواني، إضافة إلى اللونين الأخضر والأبيض، هي الألوان المميزة للاحتفال باليوم العالمي للمرأة.
حيث يرمز اللون الأرجواني للعدالة والكرامة. أما الأخضر فيرمز للأمل، بينما اللون الأبيض فيرمز للنقاء.
ويعود مصدر تلك الألوان إلى الاتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة في المملكة المتحدة في عام 1908، وفقاً للموقع الإلكتروني لليوم العالمي للمرأة.
الاستثمار في النساء
من جانبها، اتخذت الأمم المتحدة عنوانا للاحتفال باليوم العالمي للمرأة لهذا العام هو “الاستثمار في النساء: تسريع وتيرة التقدم”. ويسلط العنوان الضوء على قلّة الاستثمارات في مضمار تدابير المساواة بين الجنسين.
وفي المقابل، يدفع “اشتعال الصراعات، وغلاء أسعار السلع، العديد من الدول (نسبة 75 في المئة من الدول) إلى خفض الإنفاق العام بحلول عام 2025، بما يؤثر بالسلب على النساء وما يُقدّم إليهن من خدمات ضرورية”، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
وتشير التقديرات الرسمية إلى الحاجة إلى 360 مليار دولار (284 مليار جنيه استرليني) إضافية سنويا، إذا كان العالم يرغب في تحقيق المساواة بين الجنسين بحلول عام 2030.
ويثار خلال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة هذا العام؛ مطالبات “التشجيع على الاندماج” والمشاركة من أجل “كسر الحواجز وتحدّي الصور النمطية وتهيئة البيئات لاحترام وتقدير كل النساء”.
هل نحتاج إلى الاحتفال بيوم عالمي للمرأة؟
وقد ناضلت نساء في دول عديدة، مثل أفغانستان وإيران وأوكرانيا والولايات المتحدة، في العام الماضي، في سبيل حقوقهن، رغم الحروب وأعمال العنف وتغيّر السياسات في بلادهن.
وفي منطقة الشرق الأوسط، تواجه النساء، موجات عاتية من العنف في ظل اندلاع أحدث الصراعات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويقول خبراء في الأمم المتحدة إنهم تلقوا ادعاءات قابلة للتصديق بوقوع انتهاكات ضد نساء وفتيات في غزة، بما في ذلك حالات اغتصاب على أيدي قوات إسرائيلية.
وقد شهد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تحمُّل النساء وطأة الأزمة؛ ففي الشهر الأول من الصراع وضعت نحو 5,500 امرأة حملها في غزة في ظل نقص الإمدادات الطبية، وفقاً لتقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان.
من جانبها حاولت وزارة الصحة بغزة استغلال يوم المرأة العالمي لتسليط الضوء على قضايا المرأة، حيث أصدرت أمس الخميس تقريرا يتضمن الظروف الصعبة والتحديات التي تواجهها المرأة الفلسطينية، التي تواجه واقعًا مليئًا بالتحديات والصعوبات؛ نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بها.
وأكد التقرير على استمرار الاعتداءات الوحشية والاعتقالات التعسفية، وتعرضها لممارسات قاسية وظالمة من قبل سلطات الاحتلال، إلى الظروف المعيشية القاسية، والفقر المستمر الناتج عن الاحتلال.
وطالبت وزارة الصحة بغزة بسرعة تقديم الدعم والتضامن مع المرأة الفلسطينية، لمواجهة التحديات التي تواجهها؛ خاصة الحوامل والمرضعات، واجبار جيش الاحتلال على وقف عدوانه وقتل المدنيين ومعظمهم من النساء والأطفال.
وفي أفغانستان، لا تزال فتيات تجاوزن سن الالتحاق بالمدرسة الابتدائية محظورات من دخول المدرسة على أيدي حركة طالبان التي تُنكر على المرأة حقها في التعليم على قدم المساواة مع الرجل.
وفي السودان، أدى الصراع المحتدم بين القوات المسلحة السودانية من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى إلى آثار مدمرة.
وكشفت تقارير لمنظمات دولية عن تعرّض نساء وفتيات للاختطاف والاغتصاب في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حيث يجري إجبارهن على الزواج أو يُختطفن طلباً للفدية، وفقا للأمم المتحدة.
كما تؤكد التقديرات على نزوح أكثر من 1.2 مليون إنسان من السودان إلى دول الجوار، وما يقرب تسعة من كل عشرة من طالبي اللجوء الفارين من الصراع السوداني هم من النساء والأطفال
وفي سبتمر المقبل، سوف يكون قد مرّ عام على مقتل الشابة مهسا أميني ذات الـ 22 ربيعا، التي لفظت أنفاسها في قبضة شرطة الأخلاق التي ألقت عليها القبض بتهمة خرق قواعد اللباس المعمول بها في إيران؛ حيث تطالَب النساء بتغطية شعرهن.
وتزال نساء كثيرات تتحدّين هذه القواعد المتشددة، بينما تواجه الحائزة على جائزة نوبل للسلام نرجس محمدي عقوبة مطوّلة بالسجن.
وشهد العام الماضي، رغم كل شيء، بعضا من التقدّم، حيث اعتمد في أكتوبر عام 2023، البرلمان الأرجنتيني قانون أوليمبيا الذي يستهدف منع العنف القائم على أساس الجنس عبر الإنترنت ومعاقبة المتورطين، حيث تعرضت واحدة من بين كل ثلاث نساء في الأرجنتين للعنف عبر الإنترنت، وفقا لمنظمة العفو الدولية.
أما تايوان فقد شهدت موجة من ادّعاءات التعرض للعنف الجنسي، والتي أثارها أحد عروض نتفليكس الذي أشعل بدوره حركة (أنا أيضا- Me Too) في تايوان.
وتسبب ذلك إلى قيام الحزب الديمقراطي التقدمي بتشديد القوانين المناهضة للتحرش الجنسي، عبر تدابير جديدة تسهّل فتح قنوات للإبلاغ عن الحوادث والتي يتعين على أرباب العمل التحقيق فيها جميعا ورفع تقارير بشأنها إلى السلطات المحلية.
وفي أستراليا ونيوزيلندا، شهدت المدرجات في كأس العالم للنساء في يوليو وأغسطس، حضور نحو مليونَي مشجّع، بزيادة تجاوزت 600 ألف عن أعلى رقم سُجل في هذا المضمار. ويعكس ذلك تزايدا في الاهتمام بالرياضة النسوية.
كما شاهد 46.7 مليون شخص (وهو رقم قياسي) منافسات رياضية نسوية على الشاشات في المملكة المتحدة في عام 2023.
على أنّ ما كان ينبغي أن يصبح يوماً للاحتفال بالفريق الإسباني الفائز بكأس العالم، جاءت قُبلة طبعها رئيس اتحاد كرة القدم الإسباني السابق لويس روباليس على شفتَي اللاعبة جينيفر هيرموسو واختطفت الأنظار.
وقالت اللاعبة “هيرموسو” إن القُبلة لم تكن برضاها، قبل أن تتقدم بشكوى قضائية ضد روباليس الذي استقال من منصبه وأنكر ارتكاب أي خطأ.
ورغم ذلك، أثارت الحادثة جدلا واسعا حول ثقافة التمييز بين الجنسين، سواء في داخل كرة القدم النسوية أو خارجها.