منوعات

ما الفرق بين ختام الآيتين (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) إبراهيم) (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18) النحل) ؟

إعجاز بلاغي دلالي

كتب د. حربي الخولي
أفاض العلماء الأجلاء في الفرق بين ختام الآيتين (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) إبراهيم)، (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18) النحل ، وذكروا أن السياق يقتضي ذلك الختام، فسياق سورة إبراهيم في ذكر صفات الإنسان السلبية من مثل تبديل نعمة الله كفرا واتخاذ أربابا وآلهة من دون الله، ثم أمر الله للإنسان بإقامة الصلاة والنفقة والتذكير بنعم الله من خلق السموات والأرض، وإنزال المطر وإنبات النبات والزرع، وتسخير البحار بما فيها، والشمس والقمر والنجوم، فكان المناسب أن يختم الله آية النعم بأن ذلك الإنسان الذي من صفاته السلبية السابقة هو ظالم لنفسه كافر بنعم الله . أما في سورة النحل فالسياق يتحدث عن نعم وصفات الله، فكان المناسب أن تختتم بذكر صفات أخرى لله وهي الغفران والرحمة، إذن لما تكلم على صفات الله والنعم التي ذكرها قال : (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ولما تكلم عن صفات الإنسان قال : (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) فكل فاصلة مناسبة للسياق الذي وردت فيه.

هذا ملخص ما قيل في هذه المسألة وأرى – والله أعلى وأعلم – مع ذلك الرأي السديد رأيا أخر في ختام سورة النحل يختلف عما قيل، فقد قيل : إن اختتام الآية بقوله (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لتدل على صفات أخرى لله بعد تلك المذكورة ، لكن هذا الرأي لم يبرر لماذا اختار الله هاتين الصفتين وهما الغفور والرحيم من دون صفات أخرى كثيرة جدا، وكان بعضها سيكون – بالفهم البشري – أوقع وأقوى من مثل إن الله عظيم كريم ليؤكد قدرة الله وعظمته في جعله وخلقه تلك النعم لعباده ؟ لذا أرى أن آيات سورة إبراهيم ذكرت صفات الإنسان السلبية من مثل تبديل نعمة الله كفرا واتخاذ أربابا وآلهة من دون الله، فهذا الإنسان بذلك يفعل الكبائر ويصل للكفر بالله مما يخرجه من رحمة الله والعفو عنه والمغفرة له فناسب ذلك ذكر حاله بقوله (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) وما سينتج عن تلك الحالة من نار جهنم . أما في ختام سورة النحل فنجد أن الحديث يختص بذكر نعم الله ثم حض الإنسان على التفكر ” قوم يتفكرون ” والتعقل ” قوم يعقلون ” والتذكر ” قوم يذكرون ” والشكر ” لعلكم تشكرون “، وهذه المطلوبات من تفكر وتعقل وتذكر وشكر كثيرا ما يغفل عنها أو عن بعضها المؤمن فضلا عن المسلم، كما قال الله تعالى في سورة النمل :” وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون “. [ النمل: 73] بسبب الانشغال أو لهو الحياة أو غير ذلك دون تعمد ، ولهذا يغفر الله للإنسان ذلك؛ أي أنه رغم أنه ينعم علينا بكل النعم ويطلب التفكر والشكر ونحن أحيانا لا نفعل ذلك إلا أنه يغفر لنا ذلك برحمته، فكان المناسب ختام آية سورة النحل بقوله (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) . هذا والله أعلى وأعلم بمراده .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى