من يمر بسجن القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية بمصر يفاجأ بأن السجن قد تم هدمه، ولم يعد به مساجين، والعمال مستمرون في إزالة مخلفات الهدم أو هدم ما تبقى من العنابر، والغريب ذلك التكتم الشديد على هذا الأمر وكأنه من الأسرار الحربية العظمى التي لا يجب الإفصاح عنها، مع أن ذلك الأمر ظاهر جلي لكل العابرين؛ مما فتح باب التكهنات و” الفتي ” والشائعات حول ذلك الأمر.
فما دامت الحكومة ممتنعة عن الشرح والتوضيح فيكون دور الشائعات موجود، وبالتالي استغلال الجماعة الإرهابية ذلك الغموض لنشر كل ما يثير الناس على الحكومة، من قبيل أن الدولة باعت أرض السجن لمستثمر إماراتي يفعل بها ما يحلو له، وأن الحكومة لا تنشد سوى المال على حساب أرض السجن القديم التاريخي الخ .
وما علمته أن هدم السجن القديم المقام في منطقة من أميز مناطق مصر، حيث يقبع في جزيرة نيلية بين فرعي دمياط ورشيد بمساحة تتجاوز 300 فدان، جاء لتحويل هذه المساحة للاستثمار بنظام الشراكة بين الدولة والمستثمر، – وأظنه مستثمرا مصريا وليس عربيا أو أجنبيا – حيث تتحول الأرض إلى منتجع سكني وسياحي فاخر، وهذا المشروع كنت أسمع عنه من أيام الرئيس السابق حسني مبارك، حيث قيل وقتها إن علاء وجمال مبارك سيحولان أرض السجن لمشروعات كبرى، وقد بدأ في تخطيط بناء ميناء بالقرب من السجن لذلك الغرض، لكن كل شيء انتهى بالطبع واختفى ذلك المشروع حتى تجدد الأمر في هذه الأيام، فقد تم بالفعل هدم السجن بعد نقل كل المساجين سواء الحريم أو الرجال إلى سجون أخرى .
وقد علمت من بعض المصادر – نظرا لاختفاء معلومات مؤكدة من الحكومة بصورة غير صحية وغير منطقية – أنه توجد مخططات لاستغلال جزيرة القناطر، ضمن مشروع سكني وفندقي فاخر، يرتبط بمشروع جزيرة الوراق الواقعة منتصف مجري نهر النيل شمال القاهرة، وتشمل المخططات بناء عدد من ناطحات سحاب وخمسة فنادق كبرى فئة سبع نجوم، ومهبط للطائرات الهليوكوبتر، وميناءين نهريين بكل من الوراق والقناطر، يرتبطان بميناء ثالث بجوار المتحف المصري القديم وسط العاصمة.
وأرى أن ذلك – إن تم بالشراكة بين الدولة والمستثمر – سيكون مثل مشروع رأس الحكمة ومجمع التحرير ومبنى وزارة الداخلية القديم الخ ، كله يصب في مصلحة الوطن من جهة زيادة الريع الاقتصادي والعملة الأجنبية والدخل السياحي ودوران عجلة الاقتصاد في مصر كلها؛ مما ينعكس بالإيجاب على حياة المواطنين، فهذا أمر محمود ولا ينبغي أن يختفي – إن كان ذلك كذلك وليس أمرا أخر –، بل ينبغي أن تسارع الحكومة في توضيح الأمر وإظهار ما يحدث لهذا السجن وغيره من السجون التي تقرر هدمها واستغلال أرضها في الاستثمار، أما سياسة التعتيم فلا جدوى منها، خاصة أن السجناء بالفعل قد تم نقلهم والسجن قد تم هدمه بالفعل.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة أن أرض السجن صارت متنازعا عليها من جهات مختلفة، أولها بالطبع وزارة الداخلية التي ترى أن هذه الارض ملكها بموجب تخصيصها للوزارة لإقامة ذلك السجن وما يلحقه من منشات مثل الورش الصناعية ومزرعة السجن وعنابر المساجين للنساء والرجال الخ، بينما ترى وزارة الري أنها الملك الاصيل لتلك الأرض وما يتبعها من ملحقات، حيث جرى التخصيص لبناء السجن، على أرض ومباني حدائق القناطر التي أقيمت في عهد محمد على عام 1839، وأن وزارة الري هي الجهة المسند إليها الإشراف على الأملاك العامة للدولة ذات الصلة بالموارد المائية والري وإدارتها والحفاظ عليها، وضمان عدم إقامة أية أعمال على أملاكها من شأنها التأثير على سريان المياه بالمجاري المائية أو على جسورها أو أعمال الصيانة للمنشآت المائية.
لذلك شكل وزير الري لجنة فنية لحصر أصول أملاك الوزارة من بينها أرض سجون القناطر والمناطق المنتشرة على روافد النيل بالمحافظات، تمهيداً لعرضها على المستثمرين الراغبين في استغلالها. وتدخلت جهة ثالثة هي شركة النيل الوطنية للنقل النهري في الموضوع وأكدت أنها الأحق بأرض سجن القناطر الخيرية بعد منحها تفويضاً رئاسياً بالإشراف على الأراضي الواقعة بمجرى نهر النيل وشواطئه، على امتداد مجرى النهر . وأيا كان الجهة المالكة لأرض السجن فإن الأمر في النهاية سيكون محصلته للدولة وبالتالي للمواطنين .
عبدالناصر محمد
كاتب وصحفي مصري