فن وثقافة

قالت له : أكتب عن الحب

ليل أقل ما يقال عنه أنه فاتر الدفىء… ومع ذلك اقتربت منه حتى يأمن بقربها… كانت نظراته ناعمة تبحث عن ملجأ في عمق عينيها.. أمسك يدها بقبضة رقيقة… توقف الزمن حينها.. ليأخذ الحديث محلا معتبرا من الموقف.. تحسست نبضه وقالت له : أكتب عن الحب.

سمع الجملة المقتضبة.. وأحس بوهن شديد.. هوى على الأرض.. وكأنه ألقي به في الجب .. شعر بحالة من عدم الاتزان ..نظر حوله.. وهو يشد على يدها.. حتى لا ينتابه شعور الضياع والحيرة.. والتوهان.. وبداخله همس كلمات .. فقط عيناه كانت تلفظها بكل قطرة دمع تلمع وتتناثر كحبات اللؤلؤ.. لا تتركيني.. كنت دائما رفيقة روحي.. سندي ومن أشد بها أزري.. بادلته نفس النظرات وردت عليه بنفس الآهات.. وهما في عمق الجب.. لا يأبهان بعمق المكان وغور الظلمة .. عجيبة هي الكلمات التي تفصل بين معناهما نقطة.. فعلا غريب.. فما بين الحب والجب وريد ينبض وقصة عشق لا تنتهي .. وفجأة يقترب الهمس من أذنه :

سنلقي به في الجب .. لالا بل في المدينة العتيقة .. ثم ألقى بنظره نحو المدينة ..حيث المباني البيضاء والنوافذ الزرقاء ..والطرق المنحدرة الضيقة .. تنفس الصعداء فوجد يده تعانق يدها..صوت عذب..رقيق.. رخيم..شجي ..كان بالكاد يتعرف على اللحن.. نعم .. صوت أعرفه.. إنه صدى صوت أم كلثوم يتسرب من أحد النوافذ ليملىء الأثير “قابلني والأشواق في عينيه.. سلم .. سلم وخد إيدي في إيديه ” ..ياسلام.. الله عليك يا ست.. أنورت حوله الأجواء.. وصدى الآهات.. و السلامات يتناثر من كل حدب وصوب.. حينها قالت: اصغي جيدا.. وكأن البيوت تسمع بشغف مرتدية فستانها الأبيض المرصع بالفل المتسلق.. المتمسك بأمل الصعود على الرغم من قدوم الخريف.. الذي تناثرت أوراق عشقهما على عبراته.. فالتاريخ كل يوم يطرق كل الأبواب في المدينة العتيقة.. هنا كانت ندوات الشعر .. وهناك ترتيل آيات الذكر العظيم.. وتجويد القرآن الكريم وصبية يتسابقون بألواح تحفيظهم.. حيث المسجد العتيق الذي يطل بصوامعه ليراقب كل الأشياء في صمت .. وخلف المسجد حانة سكر مفضوح أمرها.. يا للمفارقة العجيبة.. في البعيد القريب صياد يتلصص لاصطياد فريسته.. يكتم أنفاسه

.. وفي الضفة الأخرى مناضل ملطخ بالدماء.. تخترق قلبه رصاصة.. يتكأ على فتاة كأنها هي ..تهمس في أذنه.. فيتحول همسها إلى صدى صوت تحتضنه الجدران خوفا من أن يكشف أمره ..

هي : تماسك ..سنستطيع الهرب منهم ..

هو : أظن أنها النهاية

هي: لا يمكن أن تكون النهاية.. لقد

وعدتني..

هو: آآآه..آآآه.. حاولت صدقيني.. لن

يتركونا.. يتعقبوننا.. فقط لا تتركيني..

تمسك يده بقوة.. تحاول إسناده..

هي: أرجوك .. عش من أجلي .. أتذكر

حين كنا نأتي هنا لنلعب .. نختبئ

خلف الجدران.. ونتوه في حكايات

العشق.. هو يتأوه الما .. آآآآه ..صهيل حصانه يصرخ في المكان باحثا عنه .. نبضه يكاد يتوقف عن الخفقان.. همست في أذنه : أرجوك حاول أن تتمالك نفسك.. تضمه إليها ودمعها يبلل خده وعينيه..

هي: لن تموت.. سأخرج الرصاصة

من قلبك ..

تحاول جاهدة لكنها لم تفلح فقد أطلق الصياد رصاصته إلى قلب الطائر .. سقط على الأرض جثة هامدة .. فتساقطت أغصان الفل جريحة .. طلب منها أن تعينه في لململة ما تبقى من حكايات الحب

المتناثرة في الطرقات ..قائلا : في بلادنا الصيادون يغتالون الحب سيدتي .. ثم يقومون بدفنه في المدينة العتيقة ..ظنا منهم أنهم يخفون جريمتهم ..إن التاريخ يدونها.

انطلقا معا في حواري المدينة العتيقة .. وما زال صوت أم كلثوم يشدو .. (قابلني والأشواق في عينيه)..أرجوك قاوم.. لن تموت .. ستعيش من أجلي.. أظن أنها النهاية .. الطائر ملقى على الأرض .. اغتالت أقدامهم أوراق الفل .. وكست الدماء أغصان الشجر.. حينها حاول أن يبعث إليها رسالة عما كتب سابقا.. للأسف ظهرت له عبارة من الهاتف.. عفوا مساحة التخزين لم تعد كافية .. أغلق هاتفه …

ظل يردد الصيادون أصبحوا كثر في

بلادنا !!!

بقلم : د. يحيى خيرالله

كاتب وسياسي مصري

 

alarabicpost.com

موقع إخباري عربي دولي.. يتناول آخر الأخبار السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، إضافة إلى التحقيقات وقضايا الرأي. ويتابع التطورات على مدار 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى