تحقيقات وملفات

ملحمة النصر ( ٧ ) حكاية ” ثغرة الدفرسوار ” .. ومحاولات التقليل من نصر أكتوبر المجيد ( ١ )

يحاول البعض من أعداء الوطن سواء فى الداخل أو الخارج التقليل من حجم النصر العظيم على العدو الصهيونى ، والذى تحقق بفضل المولى عز وجل وبفضل رجال مصر العظماء فى السادس من أكتوبر سنة ١٩٧٣.
لم يجد هؤلاء المغرضون شيئا يهاجمون به قيادات القوات المسلحة البواسل الذين قادوا الحرب وينتقصون من النصر نفسه إلا ما يسمى ب ” الثغرة ” وهى التى تمكنت من خلالها قوات إسرائيلية التسلل من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية ومن ثم محاصرة الجيش الثانى المصرى الذى سبق له عبور القنال وتحرير جانب كبير من الأراضى المصرية التى إحتلتها إسرائيل فى يونيو ١٩٦٧ متناسين أن هذه القوات الإسرائيلية هى الأخرى أصبحت محاصرة بين الجيشين الثانى والثالث المصرى.
كل هذه المزاعم المغرضة التى لم تخرج عن كونها أكاذيب ووهم ومزاعم مشبوهة كان يرددها إعلام العدو المنهزم فى محاولة يائسة للتخفيف من وطأة الهزيمة المنكرة التى نالها الصهاينة على أيدى القوات المصرية والسورية.
إستغل هؤلاء المغرضون الخلاف الذى نشب بين الرئيس محمد أنور السادات والفريق سعد الدين الشاذلى رئيس هيئة  أركان حرب القوات المسلحة حول الثغرة وتطوير الهجوم للتخفيف على الجبهة السورية والتى يعد جيشها هو الجيش الأول لمصر والقوات العربية فى محاولة منهم للتقليل من حجم هذا الإنجاز التى أعادت لمصر هيبتها وكرامتها ومكانتها بين الأمم.
فى الدراسة التالية التى سوف ننشرها على حلقات نوضح من خلالها حقيقة ما حدث فى الثغرة بالتفاصيل الكاملة الدقيقة لحظة بلحظة والتى تم رصدها من خلال مصادر ومراجع عديدة وتصريحات وإعترافات القيادات التى عاشت تلك الأحداث الهامة فى تاريخ الوطن وفى تاريخ أعظم نصر حققته مصر والعرب على العدو الصهيونى حتى الآن ، ولكن قبل الخوض فى هذه التفاصيل وجبت الإشارة إلى أنه لو كانت إسرائيل منتصرة فى هذه المعركة فلماذا كان الجنود الإسرائيليين أنفسهم المحاصرون فى الدفرسوار يهاجمون القيادات الإسرائيلية وعلى رأسهم ” جولدا مائير ” رئيسة الوزراء آنذاك بسبب عدم الإلتزام بقرار وقف إطلاق النار يوم ٢٢ أكتوبر ، ولماذا كان تهليل وفرحة جنود العدو بقرار وقف إطلاق النار وإنهاء القتال ورفع صور للرئيس السادات لموافقته على الخروج الآمن لجنود إسرائيل من الضفة الغربية حيث كانوا يتمركزون فى منطقة الدفرسوار تحاصرهم القوات المصرية من جميع الجهات ؟!.
الحلقة الأولى
__________
بعد أن نجحت القوات المسلحة فى عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف ” المنيع ” كما  كانوا يزعمون، وفرار القوات الصهيونية كالفئران من أمام جنود مصر البواسل .. وفى الوقت نفسه تمكن الجيش المصرى الأول _ والمقصود به جيش سوريا الشقيقة _ من إستعادة هضبة الجولان التى إحتلتها القوات الاسرائيلية إثناء نكسة 1967 وأصبح الطريق ممهدا أمام القوات السورية لدخول تل أبيب نفسها مما سبب حالة من الذعر والفزع لدى إسرائيل وحلفائها الأمريكان وكل القوى الإستعمارية المعادية لمصر والعرب .. وعلى أثر ذلك حشدت إسرائيل قواتها من إجل إعادة السيطرة مرة أخرى على الجولان.
وحين وجد الرئيس محمد أنور السادات الهجوم  الشرس على القوات السورية إتخذ قرارا بتطوير الهجوم من جانب الجيش المصرى بأن يتقدم الجيش الثانى ويواصل هجماته ضد العدو بهدف تخفيف الضغط على الجانب السورى وهو القرار الذى لاقى معارضة من جانب الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس هيئة  أركان حرب القوات المسلحة ووقعت مناقشات بين قادة الجيش والذين أيدوا رأى السادات فى النهاية وتم تطوير الهجوم وتقدم الجيش الثانى المصرى واستطاع إستعادة مساحات شاسعة من الأرض المغتصبة.
توجه الرئيس السادات يوم 16 أكتوبر  1973 برفقة الفريق أحمد إسماعيل وزير الحربية إلى  مجلس الشعب ليلقى خطابه الشهير حول دك حصون العدو فى 6 ساعات وتحطيم خط بارليف ” المنيع”.

فى هذه الأثناء لم تقف الولايات المتحدة الأمريكية مكتوفة الأيدى أمام الذل والمهانة العسكرية التى تتعرض لها عاهرتها إسرائيل حيث قامت طائرة إستطلاع أمريكية طراز ” SR71 ” يوم ١٣ أكتوبر على إرتفاع ٢٥ كيلو متر وبسرعة ٣ أضعاف سرعة الصوت وإخترقت المجال الجوى المصرى فوق بورسعيد إلى الإسماعيلية ثم السويس وغطت جبهة القتال كلها ووفرت معلومات كاملة عن التوزيع التعبوى للقوات والإحتياطات وأتاحت لإسرائيل صور جوية دقيقة ومعلومات كاملة عن المساحة بين الجيش الثانى والثالث الأمر الذى مهد لتنفيذ عملية الدفرسوار.
ومنذ تلك اللحظة أصبح باليقين أن مصر أمريكا ودول أخرى إلى جنب إسرائيل حيث فى هذه الأثناء لوحظ وجود طفرة كبيرة فى مواجهات العدو مع وجود كثافة للقوات الجوية المعادية منذ ١٤ أكتوبر حيث بدأ الجسر الجوى الأمريكى يتجه لإسرائيل وهو مزودا بالطائرات العملاقة ” جلاكسى ” و ” ستارلف تيرس ” ، فضلا عن أن القواعد الأمريكية بالمنطقة وكذلك قواعد حلف الأطلنطى بأوروبا أصبحت تحت أمر إسرائيل التى تم إمدادها لتنزل بكل أنواع الأسلحة الحديثة مثل دبابات ” السنتريون ” لتتجه مباشرة إلى مطارات إسرائيل ثم إلى مطار العريش المحتل.
وفى ١٤ أكتوبر بدأت إسرائيل تنفيذ الخطة التى أطلق عليها إسم ” شوفاح يونيم ” وهو الإسم الكودى لعملية الثغرة وتم حشد قوة من ٦ لواءات مدرعة بنحو ٥٤٠ دبابة ولواء ميكانيكى مزود بنحو ٥٠ دبابة ولواء مظلات يضم ألفى جندى مظلى.
وبدأ العدو الصهيونى فى العبور إلى الضفة الغربية وهو ما عرف بإسم ” الثغرة ” فى منطقة ” الدفرسوار ” وهى منطقة بمحافظة  الإسماعيلية وتطل على قناة السويس ، ولكنه تعرض لهزيمة منكرة بعد معارك دامية أيام ١٥ و١٦ و١٧ أكتوبر خاصة فى معركة ” المزرعة الصينية ” التى تحدثنا عن تفاصيلها فى الحلقة الماضية لدرجة أن موشيه ديان وزير دفاع العدو قال أثناء زيارته لجبهة القتال عقب هذه المعركة ” لم أستطع إخفاء مشاعرى عند مشاهدتى لأرض المعركة فقد كانت المئات من الدبابات والعربات العسكرية محترقة ومدمرة ومتناثرة فى كل مكان ومع إقترابى من كل دبابة كنت أتمنى ألا أرى عليها العلامة الإسرائيلية عليها وإنقبض قلبى كثيرا من كثرة الدبابات الاسرائيلية المدمرة ، كان ميدان واسع لمذبحة قاسية فقد كانت تلك الدبابات والعربات المحترقة دليلا على المعركة الأليمة جرت هنا.

* الموقف المصرى
______________

فى هذه الأثناء كان يوجد فى مركز العمليات الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة والفريق محمد عبدالغنى الجمسي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة حيث وصلت أولى الأنباء بعبور 77 دبابات للعدو إلى الضفة الغربية من قناة السويس وحينها أعلن قائد الجيش أنها دورية صغيرة وسوف يتجه إلى تدميرها وقام بالإستهانة بالأمر وتبسيطه غير أن الشاذلى والجمسى لم يستهينا بالأمر وقاما بإرسال بعض أفراد الجيش لإستطلاع الأمر فكانت المفاجأة أن القوات الإسرائيلية المتسللة إلى تلك الثغرة أكثر بكثير عما سبق وأعلنه قائد الجيش الذى مرض فجأة فى هذه الأثناء وأضطر لدخول المستشفى وتولى اللواء تيسير العقاد قيادة الجيش بدلا منه.
تم عرض أمر الثغرة على الرئيس السادات والفريق أحمد اسماعيل وزير الحربية وأصبح لسان حال  جميع القادة يطرح علامة إستفهام غريبة حول كيفية العبور الإسرائيلى إلى الضفة الغربية لقناة السويس وقاموا بنقل معدات عسكرية ثقيلة وذلك عبر معديات وكل ذلك يحدث دون أن يشعر أحد من الجانب المصرى مما ساعد على تأزم الموقف تماما.
قبل أن يصل الوزير إلى مركز قيادة الجيش قام الفريق الجمسى بموافقة الفريق الشاذلى برفع درجة الإستعداد وتم إصدار أوامر بإغلاق جميع المنافذ التى من الممكن أن تقوم بتمويل وإمداد القوات الصهيونية المتواجدة فى الدفرسوار من جهة الشرق غير أن هذا الأمر فشل ،
وواصل العدو هجماته من أجل تحقيق أى مكسب حتى لو معنوى من خلال إحتلال مدينة السويس وهناك كانت أم المعارك مع شعب السويس العظيم والفدائيين رجال وشباب مصر العظماء والتى سوف نعرض لها فى الحلقات القادمة.
وقد روج عدد من أعداء الوطن فيما بعد أن القوة التى أمرت بمواجهة القوات الإسرائيلية فى الدفرسوار هى من الجيش الثانى بسبب عدم وجود إحتياطى له يواجه مثل هذه المواقف وهذا عار تماما من الصحة خاصة وأن هناك قوات إحتياطية عبارة عن الفرقة الرابعة مدرعة والفرقة الثانية مدفعية ولواء حرس جمهورى فضلا عن لواء مظلات وصاعقة وذلك ما أكده أحد شهود العيان فى مذكراته وهو الفريق محمد عبدالغنى الجمسي رئيس هيئة عمليات  القوات المسلحة فى حرب أكتوبر والذى أكد أن الجيش المصرى كان يملك قوات كبيرة فى الضفة الشرقية ولكن أمر الثغرة لم يستدع سحب جانب منها.
بعد دراسة مصغرة للموقف تمت بين الرئيس السادات والفريق أحمد إسماعيل عقب الخطاب الشعير للسادات فى مجلس الشعب تقرر نقل الفريق سعد الدين الشاذلى من مركز العمليات على الجبهة  والذهاب فورا إلى قيادة الجيش بالإسماعيلية على أن يظل بها مع إعطائه جميع الصلاحيات بإتخاذ القرارات اللازمة التى من شأنها إغلاق الثغرة سواء من الشرق أو الغرب وذلك على وجه السرعة حتى لا تزداد أعداد القوات الإسرئيلية ويقوم بتدمير القوة الموجودة فى هذه الثغرة.
وكانت المفاجأة غير السارة أن الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس هيئة أركان حرب القوات  المسلحة تأخر فى الوصول إلى الإسماعيلية بسرعة كما صدرت له الأوامر بذلك وذهب يوم 18 أكتوبر أى بعد صدور الأوامر بيومين وكان هذا التأخير كفيلا بأن تزداد القوات الإسرائيلية أكثر وأكثر رغم هزيمتها فى المزرعة الصينية، وقد ذكر السادات فى كتابه ” البحث عن الذات ” ذلك الأمر ووجه اللوم إلى الفريق سعد الدين الشاذلى وإتهمه بــ” التلكؤ ” فى مواجهة  الأزمة مما تسبب فى زيادة القوات الإسرائيلية فى الدفرسوار.

.. وللحديث بقية فى الحلقة القادمة

              بقلم الكاتب الصحفى :
                 عبدالناصر محمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى