أطول برج .. وأكبر قطار .. والخراب المستعجل!!
أرجو من يقرأ هذا المقال – وقبل أن يقرأ – يحضر ورقة وقلما، ويستعين بشبكة المعلومات الدولية من خلال المواقع الموثوق فيها فقط؛ أي تكون مواقع حكومية مصرية، ويراجع كل بيان أو رقم أكتبه حتى يتيقن من صحة كل كلمة، ثم بعد ذلك يفكر معي فيما يحدث على أرض الواقع، وما كان ينبغي أن يكون فعلا.
لا شك كلنا نتمنى لمصر التقدم والازدهار، وأن تتحسن أحوال المواطن المصري البسيط والمتوسط ولا تزداد عليه الحياة قسوة، فبعد أن كان نور العين ولم يجد من يحنو عليه أو يرفق به، وبعد أن كان سوف يرى العجب في فترة قصيرة، وعليه فقط الصبر سنة أو سنتين وستكون الحياة سهلة ميسرة له..
فجأة أصبح لا يجد من يحنو عليه وكثرت التصريحات بأنه لن يشهد تحسنا بسبب الزيادة السكنية -وكأن هذه الزيادة ظهرت فجأة ولم تكن معلومة وقت التصريح بأن المواطن سيرى العجب من التحسن والحالة المريحة- وأن “مفيش حاجة ببلاش” و”إدفع بقى لو عايز أي حاجة” و”إحنا فقرا قوي وفي حالة عوز”.
صار هذا المواطن مجرد مهمش مشرد لا قيمة له ما دام لا يملك مالا، ولا يستطيع أن يسدد ثمن الخدمة، فهذا المواطن مجرد شيء في دولة لا حق له في أي شيء، فهناك من يفكر له ويتخذ القرارات التي يراها هو مناسبة فقط لا غيره، وهناك من يرى فقط الصواب ولا يوجد من يستطيع أن يفكر في حلول بديلة، فالذي يرى الصواب هو فقط الذي من حقه تنفيذ ما يرى حتى لو كان كل المواطنين نور العين يرون عكس ذلك.
وفي هذا المقام لا ننكر أن الدولة تقوم بمشروعات ضخمة جدا من النواحي العمرانية وليس الصناعية، وهنا نقع في معضلة هل نحن دولة فقيرة أم غنية؟ فلو كنا دولة فقيرة فينبغي أن نهتم بإنشاء المصانع والزراعة حتى لا نستورد من الخارج، وتزداد أزمة العملة الصعبة التي تؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة، ونجد من خلال المصانع والزراعة فرص عمل كثيرة، ولا ينبغي أن نبيع الأرض والأماكن أو نؤجرها للمستثمرين ونستثمر نحن..
خاصة أن أموال البنك من الكثرة والتضخم بصورة كبيرة ولدينا الأيدي العاملة والخبرة والمواد الخام، فلماذا بيع الأراضي والأماكن الساحلية والمصانع الناجحة والشركات الكبرى، وكأننا نتخلص من كل ما يفيد المواطن البسيط ويعود على الدولة بالنفع؟
لكن ونحن دولة فقيرة ماذا نصنع؟ نقترض ونجعل صندوق النقد يتحكم فينا، ونجعل البنك الدولي يتحكم في التعليم المصري وكل شيء، وتزداد فوائد القروض ونضطر أن نرفع كافة أسعار السلع والخدمات لسداد القروض وفوائدها وإرضاء صندوق النقد الذي لا يريد سوى الخراب المستعجل لمصر.
ثم كل ما نفعله أن نضع الأموال والقروض في القصور والمساكن، وأطول برج والعاصمة الإدارية للأثرياء، وتدبيش ترع وقطار مكهرب وأشياء كثيرة من هذا القبيل ؛ أي نضع الأموال فيما لا يعود على المواطن العادي بأي طائل ولا على الدولة نفسها..
مصر التي تمتلك أطول شواطئ على البحر الأحمر والمتوسط، وثروة معدنية ضخمة وأراض شاسعة ونهر النيل والغاز، وقناة السويس وثلث آثار العالم، وطاقة شمسية وكهربائية وقوة بشرية هائلة يصل بها الحال أن تقترض؟! .. تصور مصر بكل هذه الإمكانيات تقترض! لماذا ؟ لان مصر تضع إمكانياتها فيما لا طائل فيه، فبدلا من إنشاء المصانع نبيع المصانع الناجحة ولا نفكر في سد ثغرة الاستيراد عن طريق الإنتاج.
ودعونا نستعرض بعض ما تضع مصر فيه المال، فنجد أن مصر أنفقت في الفترة من 2014 – 2023، نحو تريليون و300 مليار جنيه على إنشاء نحو 61 مدينة، منها 975 مليار جنيه لإنشاء وتنمية مدن الجيل الرابع بنسبة 75% من الاستثمارات، و325 مليار جنيه لتطوير ورفع كفاءة مدن الأجيال السابقة بنسبة 25% من الاستثمارات.
ووفق تصريحات رسمية، فقد تطور معدل الإنفاق الاستثماري على المجتمعات العمرانية الجديدة بشكل ملحوظ في عهد الرئيس السيسي، إذ أنه ما بين العامين 1978/ 2014، أنفق نحو 64 مليار جنيه، بمعدل إنفاق سنوي مقدر بنحو 1.7 مليار جنيه، بينما خلال تسع سنوات من حكم السيسي، أنفق نحو 1.3 تريليون جنيه، أي بمعدل إنفاق سنوي 144 مليار جنيه.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن العاصمة الإدارية الجديدة وحدها تكلّفت نحو 800 مليار جنيه؛ منهم 500 مليار جنيه على أعمال البنية التحتية والمباني ضمن المرحلة الأولى. ومن المخطط أن تتكلف المرحلة الثانية ما بين 250 إلى 300 مليار جنيه. وقد نفّذت شركة العاصمة الإدارية الجديدة للتنمية العمرانية ما يصل إلى 100 ألف وحدة سكنية، واستقبلت 1200 أسرة. فيما بلغت تكلفة مشروع مدينة العلمين الجديدة نحو 300 و37 مليون دولار.
فهل كان من الأوفق ضخ هذه المبالغ على هذه المشروعات التي لا تعالج مشكلة الاكتفاء الذاتي من السلع أو البطالة بصورة مستديمة، أم إنشاء المصانع والتوسع في الزراعة ولو حتى بإنفاق ربع هذه المبالغ؛ مما كان سيساعد مصر على كبح جماح الدولار والتصدير والعمل والتقدم وبعد ذلك ومن العائد ننشئ ما نريد من أطول برج وأعظم قصور وأكبر قطار كهربائي وأطول سارى علم فى الشرق الأوسط بل فى العالم .. إستقيموا يرحمكم الله