د/ حربي الخولي
أعتذر من أصدقائي الأعزاء لطول المبحث وأظن أنه يستحق القراءة فلن تندم بإذن الله ، استوقفني سؤال لأحد الأصدقاء عن سبب رسم كلمة (رحمة) بالتاء المفتوحة أحيانا ( رحمت )، وبالتاء المربوطة على الأصل في أحيان أخرى ( رحمة )، كما ورد الأمر نفسه في كلمة ( امرأة ) حيث وردت أحيانا مفتوحة التاء ( امرأت ) وأخرى على الأصل ( امرأة )، وفي الجواب – من خلال ما نميل إليه من رأي – نذكر بداية أن كلمة (رحمة) في المصحف معرفة بـ (ال)، أو مضافة إلى اسم ظاهر، أو غير مضافة، في تسعة وسبعين موضعًا، رسمت بالتاء المفتوحة في سبعة مواضع فقط : الأول: قوله تعالى: أولئك يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله البقرة/218. الثاني: قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين الأعراف/56. الثالث: قوله تعالى: رَحْمَتُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت هود/73. الرابع: قوله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ مريم/2. الخامس: قوله تعالى: فانظر إلى آثَارِ رَحْمَتِ الله الروم/50. السادس والسابع: قوله تعالى في سورة الزخرف/32: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ، وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ.
وما سوى هذه المواضع فإنها بالهاء المربوطة، رسمًا ووقفًا؛ بالإجماع نحو قوله تعالى: لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله الزمر/53. وجاء رأي الكثير من العلماء أنه لا فارق بينهما رسما ودلالة ، وأنها كتبت على الأصل الذي هو التاء؛ لأن التاء – عندهم – هي الأصل في علامة التأنيث، وأن الهاء تَخْلُفُها في الوقف، فجاءت في غالب المواضع على الأصل، مرسومة بالتاء المربوطة، ويوقف عليها بالهاء. أو أنها كتبت على إرادة الوصل. قال “الأنباري”: “فالمواضع التي يوقف عليها بالهاء: الحجة فيها اتباع المصحف، وإنما كتبوها في المصحف بالهاء، لأنهم بنوا الخط على الوقف، والمواضع اللاتي كتبوها بالتاء الحجة فيها أنهم بنوا الخط على الوصل”، انتهى من “إيضاح الوقف والابتداء” (1/287).
ومعظم الآراء تدور في ذلك الفلك، لكني أميل إلى رأي أن هناك فارق دلالي معجز بين ( رحمت ) و ( رحمة )، فبداية كلمة (الرحمة ) هي أعم وأشمل من كلمة (رحمت)، وتحوي كافة المعاني للرحمة، مثل الإسلام . قال الله تعالى : يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ آل عمران/74. والإيمان. قال الله تعالى : وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ هود/28. والجنة. قال الله تعالى : فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ آل عمران/107. والمطر. قال الله تعالى : بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ الأعراف/57. والنعمة. قال الله تعالى : وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ النور/10.والنبوة. قال الله تعالى : أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ص/9، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الزخرف:/32.والقرآن. قال الله تعالى : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ يونس/58.والرزق. قال الله تعالى : قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي الإسراء/100.والنصر. والفتح قال الله تعالى : إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً الأحزاب/17.والعافية. قال الله تعالى: أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ الزمر/38.والمودة. قال الله تعالى : رَأْفَةً وَرَحْمَةً الحديد/27، رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ الفتح/29.والسعة. قال الله تعالى : ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ البقرة/178.والمغفرة. قال الله تعالى : كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الأنعام/12.والعصمة. قال الله تعالى : لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ هود/43. الخ.
ونجد كلمة ( رحمت ) هي أخص وتتميز عند التأمل بمعنى دلالي هو تلك الرحمة التي تأتي بعد مشقة أو عذاب أو يأس، حيث فُتحت التاء المربوطة لتدل على فتح الرحمة بعد مشقة أو يأس وبعد ان كانت مغلقة بالتاء المربوطة ، ففي قوله تعالى (قَالُوۤا۟ أَتَعۡجَبِینَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُۥ عَلَیۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِیدࣱ مَّجِیدࣱ [سورة هود 73] حيث جاءت الرحمة بعد مرور السنين الطويلة، وتعدي الزوجة للسن التي تستطيع أن تحمل وتلد، وتعطي الذرية فيها تأتي البشرى لإبراهيم عليه السلام وزوجه. وتأتي كذلك استجابة لدعاء زكريا عليه السلام ؛ بطلب الولد قال تعالى :(ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِیَّاۤ) [سورة مريم 2] ثم يفصل تعالى بعدها قصة وهب يحي لزكريا عليهما السلام. ففتحت هذه الرحمة لهما بعد قبضها زمنًا طويلاً. وكذلك بعد قبض المطر عن النزول وموت الأرض، يأتي الغيث وتستمر الحياة بهذه الرحمة التي بسطت؛ قال تعالى: (فَٱنظُرۡ إِلَىٰۤ ءَاثَـٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَیۡفَ یُحۡیِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۤ إِنَّ ذَ ٰلِكَ لَمُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ) [سورة الروم 50]
والرحمة بالتاء المربوطة قد يكون من ضمن معانيها – مع اتساع معانيها لتشمل معاني رحمت بالتاء المفتوحة كذلك – أنها رحمة مرجوة لم تفتح للسائل بعد. فالعابد القانت الساجد آناء الليل ويحذر الآخرة فهو يرجوا رحمة ربه في الآخرة؛ ألاوهي الجنة..التي هي مقفلة دونه في الحياة الدنيا .. وستفتح له يوم القيامة.قال تعالى: (أَمَّنۡ هُوَ قَـٰنِتٌ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ سَاجِدࣰا وَقَاۤئِٕمࣰا یَحۡذَرُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَیَرۡجُوا۟ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ)[سورة الزمر 9] أو هي رحمة موعود بها كما في قوله تعالى: (فَأَمَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُوا۟ بِهِۦ فَسَیُدۡخِلُهُمۡ فِی رَحۡمَةࣲ مِّنۡهُ وَفَضۡلࣲ وَیَهۡدِیهِمۡ إِلَیۡهِ صِرَ ٰطࣰا مُّسۡتَقِیمࣰا) [سورة النساء 175].
#أم حبيبة … اللهم ارحم روحا ذهبت إليك في هذا الشهر العظيم تحتاج رحمتك وتخشى عذابك وتتمنى رضاك وتأمل في الرحمت والرحمة فاعطها بفضلك وقدرك ما يجعلها تسكن وتقر وتنعم .
امرأت و امرأة
أما عن رسم امرأت أحيانا بدلا من امرأة فلها قاعدة تكاد تكون مطردة بالفعل في القرآن الكريم، حيث نجد كل امرأة معرفة ( نعرف من هي ) تكتب بالتاء المفتوحة ( إمرأت ). وكل امرأة نكرة ( لا نعرف من هي ) تكتب بالتاء المربوطة ( إمرأة ). فتكتب كلمة إمرأت بالتاء المفتوحة إن كنا نعرف هذه المرأة : . وتعريف المرأة يكون بالإضافة إلى زوجها بضمير متصل يدل عليه أو إلى اسمه مصرحا به . ” إِذْ قَالَتِ ( امْرَأَتُ عِمْرَانَ ) رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ ” . (35) سورة آل عمران . ” وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ( امْرَأَتُ الْعَزِيزِ ) تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ” . (30) سورة يوسف . “وَقَالَتِ ( امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ ) قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ” . (9) سورة القصص . ” ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا لِّلَذِينَ كَفَرُوا ( اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَاِمْرَأَتَ لُوطٍ ) كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ” . (10) سورة التحريم . ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَذِينَ آمَنُوا ( اِمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ” . سورة التحريم. . تكتب كلمة إمرأة بالتاء المربوطة عندما لا نعرف من هي هذه المرأة : . ” وَإِنِ ( امْرَأَةٌ ) خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ … ” . (128) سورة البقرة . ” إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ” . (23) سورة النمل . “.. (وَامْرَأَةً ) مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .. ” . (50) سورة الأحزاب .
إتبعنا