أنقذوا أخر الرجال المحترمين في الزاوية الحمراء

لم تكن المناطق الشعبية يوماً مثالاً للبلطجة والخروج عن القانون، ولم تكن الطبقة الشعبية في تاريخها حاضنة للمجرمين وتجار المخدرات، بل كانت حواريها وأزقتها مثالاً للجدعنة والترابط الاجتماعي وقيم الأسرة المصرية الأصيلة، ولكن عندما يصبح الشارع غابة وتصبح الحارة وكراً، وتهجر الأسر المحترمة أحياءها الشعبية.. فمن يحافظ على نقاء الطبقة الشعبية التي تمثل جزء عريق من نسيج المجتمع المصري،
انتشرت في الآونة الأخيرة أعمال شغب ومشاجرات بحي الزاوية الحمراء إضافة إلى انتشار بيع المخدرات في الشوارع والنواصي بشكل أزعج الكثير من أسر المنطقة، تلك المنطقة التي كانت تشهد لعب الأطفال وتجمعات الجيران والأهالي في الأفراح والمناسبات، والتجول في أي وقت من الليل بمنتهى الأمان.
يشهد الحى اليوم، هجرة صامتة للأسر المحترمة التي تركت بيوتها وذكرياتها هرباً من جحيم البلطجة وانتشار المخدرات. هذه الأسر التي بنت تاريخها في هذه الأزقة، والتي ساهمت في تشكيل هوية الحي الاجتماعية والثقافية، تجد نفسها مضطرة للرحيل حفاظاً على سلامة أطفالها ومستقبلهم.
أمام هذا الواقع المرير، ترتفع أصوات السكان بمناشدة عاجلة، لإنقاذ المنطقة قبل أن تفقد هويتها، فالأمر أصبح تهديداً لنسيج اجتماعي كامل يوشك على الانهيار،
فليضع أبناء الأحياء الشعبية المخلصين أيديهم بيد المسؤولين المعنيين للحفاظ على بقاء طبقتهم شعبية عفوية، وإنقاذها ممن يشوهون سمعتها ويسيئون لأخلاقها.
رغم كل هذا الظلام، يبقى في قلوب أبناء الزاوية الحمراء بذرة أمل. فهم يؤمنون أن حيهم يمكن أن يعود كما كان، مليئاً بالحياة والأمان. يحلمون بيوم تعود فيه الأسر المحترمة التي هجرت المنطقة، ويعود الأطفال للعب في الشوارع دون خوف.
عودة الروح الشعبية ومن قبلها الأمن والأمان لإعادة روح الطبقة الشعبية الأصيلة، لم يكن يوماً مجرد حل أمني فقط، فنحن بحاجة إلى إعادة إحياء الروح الأصيلة للحي وجدعنة وكرم وتقاليد أبناء البلد الشعبيين. وهنا تكمن الحلول الحقيقية التي تعيد للمنطقة وجهها الناصع من خلال إحياء التقاليد وبسط الأمن وطرد العناصر الدخيلة المشوه لأبناء البلد الجدعان.
بجانب الدوريات الأمنية ونشر الأمن في كل حارة وزقاق، نحتاج إلى إعادة إحياء “سهرات الحارة” التي كانت تجمع الكبار والصغار، حيث يتناقل الحكايات والتجارب، ويتعلم الشباب من حكمة الكبار. هذه اللقاءات الدورية في “قهوة الحي” أو “المقعد تحت الشجرة” كانت مدرسة أخلاق حقيقية تزرع قيم الجدعنة والمروءة.
نحتاج إلى برامج تأهيل الشباب بروح شعبية، وعمل ورش الحرف التراثية لتعليم الشباب مهناً شريفة مثل النجارة والحدادة والخراطة، مع ربطها بالتراث الشعبي، وإنشاء فرق فنية شعبية تعبر عن هموم وأفراح أبناء الحي
نحتاج إلى تحويل مفهوم الفتوة من السلبية إلى الإيجابية، حيث يصبح الشاب القوي حامياً للضعفاء ومساعداً للمحتاجين، وتطوير المقاهي الشعبية لتصبح مراكز ثقافية واجتماعية، وتشغيل النساء في مشاريع الأكل الشعبي والحلويات التراثية
نحتاج لإحياء التقاليد الجميلة مثل فزعة الجيران عندما تواجه أسرة مشكلة، ولائم الخير الجماعية في المناسبات والأعياد، مثل إفطار حي المطرية الذي أصبح نموذج ناجحاً وملهماً، إعادة حلقات القرآن في المساجد لتهذيب النفوس وتقوية الروابط الروحية.
إن إنقاذ الأحياء الشعبية من البلطجة والشغب، ليس مسؤولية جهة واحدة، بل مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الجميع. بداية من المسؤولين لحماية المواطنين، إلى الحي الذي يجب أن يلعب دوراً في التنمية، وصولاً إلى السكان أنفسهم الذين يجب أن يقفوا صفاً واحداً ، مستلهمين روح الجدعنة والأصالة التي تميز أبناء مصر الشعبيين.
“في الصمت موت، وفي التجاهل قتل، وفي العمل الجماعي حياة جديدة”
فهل من مجيب؟
بقلم الكاتبة الصحفية:
فاطمة خليفة