غاز مصر بين “ظُهر” و”صفقة إسرائيل”.. اقتصاد أم سياسة؟
الغموض ورقة نتنياهو الجديدة على القاهرة..

منذ الإعلان عن اكتشاف حقل ظُهر العملاق عام 2015، قيل للمصريين إن بلادهم دخلت عصر الاكتفاء الذاتي من الغاز، وإنها ستتحول إلى. دولة مصدّرة، ثم تبع ذلك الحديث عن حقل نور باحتياطات واعدة. ومع ذلك، يجد المواطن نفسه أمام مشهد غريب: مصر، صاحبة أكبر حقل غاز في شرق المتوسط، توقع صفقة لاستيراد الغاز من تل أبيب، بل وتتمسك بها رغم الظروف الدامية في غزة. فما الذي يحدث حقًا؟
بين الإنتاج المحلي والاستيراد
الواقع أن مصر تملك احتياطيات ضخمة، لكن العوائد لا تذهب كاملة لخزينة الدولة، فشركات أجنبية مثل “إيني” الإيطالية تستحوذ على نسبة معتبرة من الإنتاج. ورغم أن القاهرة حققت اكتفاءً ذاتيًا في فترات، إلا أن الاستهلاك المتزايد والأعباء الاقتصادية جعلتها تبحث عن مصادر إضافية.
الحكومة تبرر الصفقة مع إسرائيل بأنها ليست استيرادًا للاستهلاك المحلي، بل لاستيراد الغاز الخام وإسالته في منشآت مصرية ثم إعادة تصديره إلى أوروبا. من الناحية التقنية يبدو الأمر منطقيًا، لكن من الناحية السياسية والأخلاقية يصبح السؤال ملحًا: لماذا يُستكمل هذا الاتفاق في وقت تتعرض فيه غزة لإبادة جماعية؟
ورقة إسرائيلية وضغط سياسي
نتنياهو لم يتعامل مع الصفقة كاتفاق اقتصادي بحت، بل حولها إلى ورقة ضغط سياسية. ففي ظل أزماته الداخلية واحتجاجات الشارع الإسرائيلي، وجد أن الغموض في ملف الغاز يوفر له مجالًا للمناورة: يضغط على مصر في ملف غزة، ويرضي الغرب بدمج إسرائيل أكثر في سوق الطاقة، ويظهر أمام الداخل وكأنه يحمي المصالح الإسرائيلية أولًا.
كما تكشف بعض المعلومات عن أحد أسباب أزمة الغاز في داخل دولة الاحتلال والذي يعود إلى تضرر بعض الحقول البحرية نتيجة الصواريخ الإيرانية خلال فترة الحرب الأخيرة بين تل أبيب وطهران.. الأمر الذي دفع حكومتها لإعادة ترتيب الأولويات نحو السوق المحلي.
مأزق الموقف المصري
أما القاهرة، فتمسّكها بالصفقة يكشف عن مأزق أكبر. فهي من ناحية تسعى لإظهار نفسها كمركز إقليمي للطاقة أمام أوروبا، ومن ناحية أخرى تخسر رصيدها الشعبي والعربي حين تصر على علاقة اقتصادية بهذا الحجم مع دولة الاحتلال في ذروة المأساة الفلسطينية. الأسوأ أن المواطن المصري، الذي يعاني أزمات اقتصادية خانقة، لا يرى مردودًا مباشرًا من هذه الترتيبات، بل يدرك أن غازه المحلي يُدار في ظل شراكات تُقلص المكاسب الوطنية.
فالقصة إذن ليست نقصًا في الغاز المصري بقدر ما هي حسابات سياسية معقدة. فحقول مثل ظُهر ونور قادرة على تلبية جانب كبير من الاحتياجات لو أُحسن استغلالها، لكن الصفقة مع إسرائيل تعكس خيارًا سياسيًا بامتياز: دمج إسرائيل في منظومة الطاقة الإقليمية، وتوفير مكاسب لها على حساب مصر، بينما تُترك غزة تحت النار.
إنه مشهد يطرح سؤالًا أخلاقيًا قبل أن يكون اقتصاديًا: كيف تصبح شراكة الغاز مع دولة الاحتلال أولوية، بينما دماء الفلسطينيين تصرخ كل يوم على أبواب مصر؟
شريف حمادة
كاتب وصحفي مصري