مدونات عرب بوست

عذرا .. لا رثاء !!

ألقى بنظره صوب صدره حيث مستقرها، هي دائما مستوطنة في سويداء قلبه، تحتضن أناته وتعانق تلك الأنفاس الرقيقة، اشتاق إليها وإلى طلتها المبهجة التي تمنحه سر الحياة، بفرحها ودعاباتها الأنيقة، اعتاد في قمة انشغاله أن يتلصص بأنامله على قلبه فيحسها مستقرة فيه فيطمئن، إنها قرنفلة الأسم والمعنى، قمة نشوته أن يلقي بنفسه إليها، فتضحك، فيختبيء فيها حتى تستسلم لبراءته، أطلق عليها العديد من الأسماء .. كان يناديها ” يا أنا “… تستدير مبتهجة… سعيدة… لها لقب آخر تسعد به ويُقفز الفرحة من عينيها وتقاسيم وجهها وهي تلتفت إليه عندما يناديها… بينهما علاقة تبحث عن مُسمى يليق بهما، يغار منها العشق والحب والهيام والوجد والوله والصبابة، ثم وفجأة، لم يجدها، انقبض قلبه ونهض فزعا، أراد أن يتفحص عاصمة موطنها في صدره، لم يحسها، فالنبض خافت يشعر به بالكاد، وكأن النبض يرحل بعيدا بعيدا، فيسقط على الأرض واضعا كفه على فمه يستشعره بحرارة أنفاسه، أيقن حينها أنه ما زال يحيا، تملكته الرعشة، تحسس دقات قلبه، لملم ما تبقى من تلك الكلمات الشفافة، فتناثرت الحروف من فمه، رفع أكفه متذرعا: إلهي .. هل رحلت القرنفلة، متى وكيف؟! ، لم تحمله قدماه، خرَّ على الأرض وألقى بظهره على الحائط ليسنده، بعدما كانت هي سنده الدائم، رحل السند ولا رثاء، فالموت إن كان برغبة دفينة أوعن طريق الانتحار سيان.

مثلما تحديد النهاية هو اختيار فالرثاء كفر بقانون الخالق، تسربت الدموع وانهمرت على نهريه الصغيرين، وعاتب نفسه: كيف لا أرثيها ؟! ..إنها القرنقلة .. وإن كانت قرنفلتي فلما أرثيها ؟! لقد رحلت !!

لقد اختارت ملهمتي عالمها السرمدي على حساب وجوب حاجتي إليها، سأكتب على قبرها ما حفر من كلمات في صدري..كانت هنا ولا رثاء، لا.. لا.. ماتت ولا رثاء.. لا .. لا .. ما زالت تحيا في يحيى.. وعلى الرغم من كل ذلك لا أستطيع التوقف لها عن الدعاء… وسأصلي لها في محرابي كل يوم ألف صلاة.. دون رثاء .. حتى ونحن نرثي أحياء كُثر في حياتنا وإن كانوا لا يستحقون الرثاء .. يقف عند حدود التأبين والشكل الاجتماعي .. تطبيقا لحكمة الطيبين… اذكروا محاسن ….

بقلم : د. يحيى خيرالله

سياسي مصري وكاتب

alarabicpost.com

موقع إخباري عربي دولي.. يتناول آخر الأخبار السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، إضافة إلى التحقيقات وقضايا الرأي. ويتابع التطورات على مدار 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى