لماذا قال سبحانه ” فالتقمه الحوت وهو مليم ” ولم يقل (لقمه) الحوت وهو (ملام) أو (ملوم )
في الدلالة
كتب د/حربي الخولي
بلغ القرآن من الدقة مبلغا معجزا من رب العالمين، فعندما قال تعالى عن يونس بعد أن غادر قومه غاضبا دون إذن من ربه، فكان العقاب الإلهي :” فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ” فنجد أن الله أراد أن يعاقب يونس حتى يرجع إلى صوابه ورشده وطاعة ربه دون أن يهلكه، فسخر له حوتا يبتلعه ليبقى في جوفه فترة من الزمن، وبعد أن تبين ليونس حجم خطئه عاد مستغفرا الله في ظلمات بطن الحوت والبحر العميق :” فنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ” فاستجاب الله لتسبيحه وعفا عنه وأخرجه سالما وأعاد إرساله.
وهنا نلاحظ الدقة البلاغية المعجزة فقد ذكر ” التقمه ” ولم يقل (لقمه) لأن “التقمه ” فيها افتعال ما يعني أن الإنسان ليس من طبيعة جنس ما يأكله الحوت ولكنه افتعل ذلك اللقم لأنه بأمر الله، أما (اللقم) فهو طبيعته مع طعامه المعتاد، كما أن “التقمه” تدل على الابتلاع السريع دون المضغ، بينما (اللقم) تدل على المضغ في الغالب، وقد ذكر البعض أن الحوت أبقاه في فمه ولم يدخله إلى جوفه وإلا لو أدخله لهضمه وهذا لا دليل عليه، وإنما الصحيح أنه “التقمه” وأدخله في بطنه سريعا، ومنع الله بقدرته بطن الحوت من هضمه، فكانت له كالغرفة، والدليل قوله تعالى ” لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ”، ولم يقل للبث في “فمه”، ولسنا مع القول أن الفم من البطن، أما عن قوله “وهو مليم” ولم يقل وهو (ملام) أو(ملوم) فإن “مليم” في اللغة من الفعل (ألام)، وقد جاء منها اسم الفاعل “مليم” بمعنى من أذنب ذنبا استحق عليه اللوم، فمليم تعني أن يونس جاء بفعل سيء استحق عليه العقاب واللوم، لذا كانت الصيغة “مليم” التي تدل على اسم الفاعل، أما كلمة (ملام ) فهي اسم مفعول من الفعل (ألام )، وكذلك (ملوم ) اسم مفعول من الفعل الثلاثي (لام) وتعني أن الإنسان يلومه البعض وقد لا يكون مستحقا للوم ، فعندما نقول : فلان ملام أو ملوم، فيعني ذلك أن البعض يلومه وقد يكون بريئا، لكن “مليم” تعني أن فلانا بالفعل ارتكب ما يستوجب عليه اللوم وإن لم يلمه أحد، هذا والله أعلى وأعلم .