منوعات

أصل ” حارة بير الوطاويط ” وسفينة نوح وسلطان الجن أساطير مصرية عريقة

بيت الكريتلية والضابط العاشق


كتب د. حربي الخولي
في منطقة السيدة زينب وعند شرق مسجد أحمد بن طولون، وأمام بيت الكريتلية أو ( متحف جاير اندرسون ) مباشرة تجد “حارة البير”، تلك الحارة التي لها تاريخ يفوق تاريخ دول كبرى، ويعكس حضارة وتاريخ مصر العريق، فهذه الحارة أطلق عليها هذا الاسم نظرا لوجود بئر قديم جدا بها وضمن بيت الكريتلية، وهذه البئر القديمة التى ارتبطت بالحارة يذكر المقريزى فى الخطط عنها 🙁 هذه البئر أنشأها الوزير ابوالفضل جعفر بن الفرات المعروف بأبن حنزابة عام 355هـ / 965م لينقل منها الماء الى السبع سقايات – أى سبعة أحواض – التى أنشأها وحبسها لجميع المسلمين التى كانت بخط الحمراء – جهة السيدة زينب رضى الله عنها – فلما طال الأمر خربت السقايات ، وبنى فوق البئر المذكور وتولد فيها كثير من الوطاويط فعرفت من حينذاك ببئر الوطاويط ) . وثبت أبو الفضل جعفر بن الفرات على هذا البئر بلاطة من الحجر عليها كتابة فى ثلاثة عشر سطرا بالخط الكوفى وكتب عليها – والحديث للمقريزى فى الخطط – بسم الله الرحمن الرحيم ، لله الأمر من قبل ومن بعد وله الشكر وله الحمد ، ومنه المن على عبده جعفر بن الفضل بن جعفر بن الفرات وماوفقه له من البناء لهذه البئر وجريانها الى السبع سقايات التى أنشأها وحبسها لجميع المسلمين ، وحبسه وسبله وقفا مؤبدا لايحل تغييره ولا العدول بشئ من مائه ، ولا ينقل ولا يبطل ، ولا يساق إلا إلى حيث مجراه الى السقايات المسبلة . فمن بدله بعد ماسمعه فإنما أثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم ، وذلك فى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وصلى الله على نبيه محمد وآله وسلم ) .

ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فقد جمع الضابط الإنجليزي ( جاير اندرسون ) صاحب المتحف المقام في بيت الكريتلية أساطير عن تلك البئر وأوردها في كتاب بعنوان ” أساطير بيت الكريتلية ” ونشره في لندن ليحقق به نجاحاً منقطع النظير، لما احتواه من الحكايات شديدة الغرابة جامحة الخيال، وبعضها مقتبس من قصص القرآن .
ولنبدأ في توضيح الصورة من البداية، ففي أعلى قمة جبل يشكر بحي السيدة زينب وبجوار مسجد أحمد بن طولون، قرر المعلم عبد القادر الحداد في عام 1540م أن يبني بيتاً فى مكان مرتفع، وبعدها بما يقرب من القرن، وتحديدا في عام 1642م، قام الحاج محمد الجزار أحد الأعيان ببناء منزل مجاور لبيت المعلم، ومع اختلاف الزمن والأدوات والذوق العام الذى تغير فى قرابة المائة عام ظهر منزل الجزار الجديد بحلته البديعة من حيث المساحة والتصميم فكان أكبر حجمًا وأجمل في المعمار والزخرفة. مع مرور السنين وفي بداية القرن التاسع عشر، تم بيع بيت الجزار لسيدة من جزيرة كريت لذا اطلق عليه بيت الكريتلية، وبيع بيت المعلم الحداد لسيدة من الصعيد تدعى أمنة بنت سالم، إلا أن الزمن كان قد أثر على جمال البيتين وتهدم معظم أماكنهما وساءت حالة البيتين. وفي الفترة من 1930 حتى 1935م، قررت الحكومة المصرية هدم البيتين أثناء مشروع التوسعه حول جامع أحمد ابن طولون. وكان هناك ضابط طبيب إنجليزي يقيم في مصر يدعى جاير أندرسون، كان يمر أمام البيت في شبابه ليرى فتاة مصرية تقف بالبرقع في المشربية فوقع في حبها في صمت لم يفصح عنه وقيل كانت هذه حفيدة السيدة أمنة بنت سالم التي تزوجت جاير في النهاية بعد محاولا مضنية من جاير وبعد أن أشهر إسلامه . وسرعان ما سمع عن خبر قرار الحكومة المصرية بهدم البيتين، تقدم للحكومة بعرض أن يقوم بترميم البيتين ويسكن بهما، وأنه سيمد البيتين بمجموعته الأثرية من التحف والآثار التي يعشقها، منها تحف إسلامية نادرة وصناعات فنية بديعة، وتحف وأنتيكات خاصة به اشتراها من الصين، وفارس، والقوقاز، وآسيا الصغرى والشرق الأقصى، إضافة إلى بعض التحف من أوروبا، على أن يصبح هذا الأثاث ومجموعته من الآثار ملكاً للشعب، فوافقت الحكومة واستجابت للعاشق. قام أندرسون بصرف مبالغ طائلة على ترميم المنزلين على نفس طرازهم المعماري السابق. وقام بربطهما بقنطرة تصل بينهما، ونقل كافة مقتنياته الأثرية الثمينة التي جمعها من كل أنحاء العالم في المنزليين، مع الحفاظ على كل قطعة أثاث تواجدت في المنزل على أن تعتبر آثر ثمين ومتميز. اضطر جاير أندرسون إلى السفر إلى إنجلترا في عام 1942م بسبب اعتلال صحته، ذهب ولم يعد، وتوفى عام 1945، ودفن في لافينهام، سوفولك ببريطانيا وفى العام نفسه، تسلمت الحكومة المصرية المنزلين بمحتوياتهما من آثار وتحف وقامت بتحويلهما إلى متحف وأطلقت عليه اسم متحف جاير أندرسون .لم يسكن جاير وزوجه وحدهما في المنزل، بل استعان بخادم عجوز كان يعمل لدى السيدة الكريتلية، يدعى سليمان الكريتلي، وهب نفسه لخدمة ضريح “سيدي هارون الحسيني” كما يطلق عليه هناك، وهكذا أصبح الرجلان أصدقاء، وقد قام سليمان بحكي الكثير من القصص لجاير وهو ما أثار خياله بشدة. ومن خلال حكايات عم سليمان، قام جاير بتدون الحكايات ووضعها فى كتاب “أساطير بيت الكريتلية”.


ورد في الكتاب حكايات ملك الجان الذي أمر الجزار أن يبني البيت لتعيش به بناته السبع في أمان فوق جبل يشكر، حيث قيل ان تلك البئر كانت بجوار جبل يشكر أعلى جبال العالم والتي رست عليه سفينة نوح وليس جبل ارآرات بتركيا، وقد امتلأ البئر بماء الفيضان الذي جف من حوله، وظلت مياه الفيضان بالبئر، وهو البئر الذي جدده يوسف بن يعقوب، وسمي بعد ذلك بئر الوطاويط، وبعد سنين جاء أحمد بن طولون وبنى جامعه فوجد سفينة نوح.

وقرر سلطان قبيلة من الجان أن يسكن هو وبناته السبعة وكنوزه هذه البئر، وبالفعل صارت بناته كل واحدة على سريرها وهو يحرسهم، وكان الناس يعلمون خصائص البئر غير الطبيعية والسحرية، ومنها أنه من كان يريد أن يتزوج ولا يجد الزوجة المناسبة او الزوج المناسب يأتي للبئر في الليالي القمرية ويقذف حجرا في جوفه ثم ينتظر لينظر انعكاس صورة زوجته المستقبلية أو حبيبته أو الزوج المستقبلي أو الحبيب في البئر، وكان الناس يشربون من البئر للشفاء من كل الأمراض، وكان كثرة الوافدين تزعج ملك الجان الذي كان أحيانا يخرج مع بناته للتنزه خارج البئر في صورة وطاويط؛ لذلك اطلق الناس على البئر اسم بئر الوطاويط، وبعد انزعاج ملك الجان من كثرة الزائرين وعندما وجد الحاج محمد الجزار يريد أن يتخذ بيتا في المكان تجسد له في صورة إنسان ونصحه ببناء الدار حول البئر للاستفادة من مائها، وقد امده بمال كثير في سبيل ذلك، وكان سلطان الجن يريد ان يصبح البئر مؤمنا الجداران الشاهقة فيصعب على الناس زيارته ويرتاح من إزعاجهم وهو الأمر الذي فعله بالفعل الحاج محمد الجزار، وبنى داره حول البئر تلك التي اشترتها بعد ذلك المرأة التي من جزيرة كريت ليصبح اسم الدار بيت الكريتلية، وبحسب كتاب أساطير بيت الكريتلية، يضم الكتاب، ثلاث عشرة أسطورة، أوردها أندرسون على لسان الشيخ سليمان الكرتلي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى