الفرق بين ” نصير ” و ” واق “
كتب د.حربي الخولي
تتشابه المقاصد والمعاني في قوله تعالى في سورة البقرة : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) . وقوله تعالى في سورة الرعد 🙁 كَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ). والآيات تتحدث عن اتباع اليهود والنصارى وتحذير الله لرسوله من ذلك؛ لكن ختمت آية البقرة بقوله تعالى محذرا رسوله من ذلك أنه ليس له من دون الله إن فعل ذلك ” مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ “، بينما ختمت آية سورة الرعد بأنه إن فعل ذلك فليس له من الله من ” وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ” ، فلماذا جاء بالبقرة “نصير” وفي الرعد “واق” رغم أن المعنى التحذيري واحد فيهما ؟ والإجابة عن ذلك – والله أعلى وأعلم – تأتي من تأمل بداية الآيتين، فنلاحظ في البقرة قوله تعالى :” وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) . أما في الرعد فقد جاء قوله تعالى :” كَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ “، ورغم أن التحذير واحد لكن الموقف التحذيري مختلف وفيه دقة، ففي البقرة كان التحذير من الخروج عن الإسلام لاتباع ملة اليهود أو النصارى، أما في الرعد فكان التحذير من اتباع أهواء وميول وأغراض اليهود والنصارى، ففي البقرة تحذير من أمر شديد كارثي وهو الخروج من الدين بالكلية؛ لذا كان الختام أن من يفعل ذلك فليس له من دون الله من يتولاه / يحميه، ومن ينصره ويدافع عنه، والنصير ينبغي أن يكون عاقلا حكيما قويا قادر على النصرة وهو الله ولا أحد سواه، فإذا خرج أحد عن الدين ودخل في ملتهم فلن ينتصر أبدا وسيغلب ويهزم ويخلد في جهنم، أما في الرعد فكان التحذير من اتباع أهوائهم وميولهم وهو أقل من الخروج عن الدين واتباع دينهم؛ لذا فلن يجد من يفعل ذلك من يقيه من العذاب، والواقي قد يكون عاقلا أو غير عاقل، فالسقف يقي الإنسان من المطر، والله يقي عباده من الأخطار، والوقاية أقل من النصرة؛ لأن النصرة تعني داخلها الوقاية كذلك، فالذي ينصره الله بالتأكيد يقيه مع النصر، ولما كانت الوقاية أقل من النصرة كان استخدمها مع الذنب الأقل وهو اتباع الأهواء، وكان الحرمان من النصرة مع الذنب الأعظم وهو ترك الإسلام لملل أخرى، والله أعلى وأعظم وأعلم بمراده ، وما توفيقي إلا من عند الله، والله من وراء القصد .