حكاية جمهورية ” زفتى ” .. ولا أسوأ من “زفتى” إلا “ميت غمر” !
يوسف الجندي رئيس أول جمهورية عربية في التاريخ
من الأسماء الغريبة والطريفة للمدن المصرية الأصيلة نجد مدينة زفتى ، ذلك الاسم الذي له دلالة غير جيدة لدى عامة المصريين لارتباطه بمادة الزفت السوداء المستخرجة من البترول ، والمستخدمة لطلاء السفن لمنع تسرب المياه ولها استخدامات أخرى، وللونها الأسود صارت مادة للكلام عن السيء والحظ غير الحسن فيقال :شيء مثل الزفت أو إنسان زفت الخ .
لكن بالبحث عن أصل مركز ومدينة زفتى التابعة لمحافظة الغربية وجدنا بعض الحكايات الشعبية ، مثل أن أصل زفتى يرجع لاسم الهة رومانية باسم زفس ، وهي آلهة الجمال عند الرومان، وبالتحقيق تأكد زيف ذلك الادعاء لأن زفس هو جوبيتر عند الرومان وهو الإله الأعظم بين مجمع آلهة اليونان (البانثيون)، وهو أبو الآلهة وكل الناس وليس الهة الجمال .
وقيل أن سبب تسمية مدينة زفتي بهذا الاسم وجود عالم في قديم الزمان استوطن هذا المكان وكان معه فتي صغير ،ثم أطلقوا على المكان (ذو الفتى) ومع مرور الوقت تحول الاسم من ذو الفتى إلى زفتي !! وبالطبع لا يحتاج ذلك إلى بحث للتأكد من زيفه وفلكلوريته .
لكن بعد التدقيق وجدنا أن عالم القبطيات والمصريات والآثارإميل أميلينو (1850-12 يناير 1915) الفرنسي ذكر أن زفتى محرفة عن اسم قبطي Zébété او زبتي والذي قد يعني الممتلئة بالخير أو المغمورة بالماء، الذي عُرب إلى منية زفتة ،حيث وردت بهذا الاسم في بعض نسخ كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق،
وباسم منية رقبة وأيضا وردت باسم «منية زفتى جواد» في أعمال جزيرة قوسينا ضمن قرى الروك الصلاحي التي أحصاها ابن مماتي في كتاب قوانين الدواوين وفي كتاب تحفة الإرشاد في أسماء البلاد.
وذكرت باسم «منية زفيتى جواد» من أعمال الغربية ضمن قرى الروك الناصري التي أحصاها ابن الجيعان في كتاب «التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية وفي مباهج الفكر ومناهج العبر. وباسم منية زفتى في الانتصار لواسطة عقد الأمصار. وباسم زفيتى جواد سنة 1228 هجري، وباسمها الحالي في عام 1263هجري فهو ليس اسمًا حديثًا حيث وردت به في معجم البلدان والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار والخطط التوفيقية.
وترتبط المدينة بمثل شهير وهو ” ما أسوأ من زفتى إلاّ ميت غمر” والمثل إنجليزي أطلقه الاحتلال الإنجليزي لمصر، حيث بعدما قضى الإنجليز على المقاومة الشعبية بمدينة زفتى انتقلوا إلى ميت غمر’ ولكن وجدو بها مقاومة أشرس من تلك التي بزفتى فأطلقوا ذلك المثل، فعندما ألقي القبض على سعد زغلول ورفاقه في 8 مارس عام 1919 ونفيهم لاحقا اندلعت الاحتجاجات في مختلف أنحاء مصر.
وأخذت الاحتجاجات بمدينة زفتى منحى مختلفا حيث أعلن يوسف الجندي، الطالب بكلية الحقوق والذي تزعم مجموعة من الشباب الذين كانوا مزيجا من الطلبة والعمال والفلاحين، الانفصال عن مصر وإقامة جمهورية زفتى في 18 مارس من مقهى مستوكلي، وكان صاحبه يونانيا، بميدان بورصة القطن في المدينة.
وصار ذلك المقهى مقر قيادة الجمهورية الوليدة. وقام الجندي، الذي تولى الرئاسة، ورفاقه بتشكيل لجنة ثورية (المجلس البلدي الحاكم) والتي قررت الاستيلاء على مركز الشرطة في المدينة فزحفت الجموع، مسلحة بالبنادق القديمة والعصي والفؤوس، نحو المركز فقام مأمور المركز الضابط اسماعيل حمد، والذي كان متعاطفا مع الثورة، بتسليم المركز للثوار.
واستولت جموع الثوار في المدينة على محطة السكك الحديدية، وعربات السكة الحديد التي كانت مشحونة بالقمح، ومبنى التلغراف. وأصدرت الثورة صحيفة “جمهورية زفتى” من مطبعة محلية كان صاحبها شاب يدعى محمد أفندي عجيبة.
وتم تشكيل لجنة للأمن ضمت القادرين على حمل السلاح بقيادة الضابط حمد، وكان الجميع قد استجابوا لدعوة حمل السلح ووصل الأمر الى درجة توسل رجل يدعى سبع الليل، من الخارجين عن القانون وكان يتزعم عصابة مسلحة تروع البلدة والقرى المجاورة، كي يسمحوا له بالانضمام لهم.
وعندما علم الإنجليز بما حدث أرسلوا قوة للاستيلاء على البلدة عن طريق كوبرى ميت غمر، لكن تصدى لها الأهالي فارتدت القوة على أعقابها. وعندما علم أهالي زفتى بأن هناك قطارا قادما إلى البلدة محمل بمئات الجنود والعتاد العسكرى قام سبع الليل ورجاله بقطع قضبان السكة الحديد.
ووصلت أنباء ما حدث في زفتى للقاهرة بل وعبرت البحار إلى لندن لدرجة تحدثت الصحف البريطانية عن استقلال زفتى التي رفعت علما جديدا.
وعلى أثر ذلك أعلن في القاهرة عن تسيير فرقة أسترالية لإخضاع البلدة المتمردة فسارع أهلها إلى حفر خندق حولها، ولكن القوة الأسترالية حاصرتها حتى استسلمت في 29 مارس بعد “انفصالها” لنحو 10 أيام لتنهى بذلك قصة أول جمهورية فى التاريخ العربى.
وتعد العالمة سميرة موسى (1917 – 1952) أول عالمة ذرة مصرية، وأول معيدة في جامعة فؤاد الأول، من أشهر مواليد زفتى .