فن وثقافة

السارقة.. !!

هل تعرفين معنى كلمة الأم؟، معناها: “الوالدة ” وأُمّ الشيء ” أصله ومجمعه “.

وسُمِّيَت الأم “أمًا”؛ لكونها أصلًا، فهي مجمع خلق الإنسان ، إذ يُجمع في رحمها، وقد تفرع عنها، وأم كل شيء: “أصله وعماده “.

قال ابن دريد: “كل شيء انضمت إليه أشياء فهو أم لها”.

أرأيت المعنى يقول: إني أصله ؟.

كنت أسمع أمي تقول مثلًا عاميًا “ربي ياخايبة للغايبة”، فكنت أضحك، لكني لم أدرك معناه إلا بعدما صرت خائبة!

منذ انفصل عني، وأصبح له بيت، شعرت أن مكانه خلا من قلبي، وامتلأ حقدًا على من سرقته مني.

نعم. فلم أهنأ منذ رحل برغم زياراته المنتظمة، وحرصه على إرضائي، لكن إحساس المسلوبة يذبحني.

كل يوم أدخل غرفته ولا أجده.

يمر شريط عمره أمامي منذ ولادته: سماع أول صرخة له التي انتزعت كل الأصوات من أذني؛ لتسكن وحدها، وجع أول سِنة بفمه وصوت رنينها، وأنا أتحسس لثته بملعقة صغيرة!، الكمادات التي كانت تجف من حرارة خوفي قبل وضعها على جبهته، كلمة أمي المطرزة ببراءته، وكأنها تخلق لي أجنحة أحلق بها، أولى خطواته التي حَرسَتها أرض روحي، ودموعه التي جمعتها داخل عيني، بأول يوم له بالمدرسة، أنامله الرقيقة التي جمعتها بين كفي؛ لأعلمها كيف تحتضن القلم، وصوته الأجش الذي كان يحمي أيامي، نظراته التي كانت تدفئ برد حياتي، الأكواب التي صففتها كالعبيد فوق مكتبه أيام دراسته، أبوابي التي قصرت أمام طوله، ذراعه الذي اتكأت عليها عند هشاشة عمري، وشبابه الذي كان يتلصص خريفي عليه؛ ليعيشه معه، كل هذا سرقته هى في لحظة واحدة!جمع ذكرياتنا المخلوطة بعمره وسكبها فى راحتيها، أصبح الآن بعيدًا، لم أعد أشم رائحة أنفاسه، غرفته ضجت مني وأنا أدور داخلها ؛ باحثة عن آثاره التي أهملني وأهملها فيها!

كرهتُ زوجته، ولماذا لا أكرهها؟! فمن منا يحب سارقه؟!

– سُنة الحياة، أَلم تأخذي أباه من أمه؟

– أبدًا، فقد كنا نسكن مع أمه، لم يفارقها بل جلبني لها.

– يجب أن تكون له حياته الخاصة، ويكون له أسرة.

– وأنا وشوقي الذي يفتك بي؟!

– عليك ترويضه، وتحمل وجعه، فزوجته لم تسرقه منك؛ بل هى الأخرى تركت بيتها وأمها؛ لتكون في خدمة ابنك، وإسعادة، ورضيت أن تكون له وعاءً؛ ليكون أبًا وتكونين أنتِ جدة تفرح بأحفادها.

صابرين الصباح

كاتبة ورواية مصرية

alarabicpost.com

موقع إخباري عربي دولي.. يتناول آخر الأخبار السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، إضافة إلى التحقيقات وقضايا الرأي. ويتابع التطورات على مدار 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى