هل أفطار المسلمين وقت المغرب غير صحيح ؟
راعني شخص على الفيس واليوتيوب يدعى المستشار أحمد عبده ماهر يتفق مع اخر يصرخ قائلا : إن صيام المسلمين رمضان غير صحيح لأنهم يفطرون وقت المغرب وهذا مخالف للقران الكريمى- في زعمه – حيث ينبغي الإفطار بعد المغرب بفترة كافية ليحل الظلام وهو الليل حيث قال تعالى : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ ) لكن المسلمون في زعمه يفطرون قبل الليل . كما وجدت بعض المواقع تؤيد رأيهما الشاذ .
ولن اتحدث هنا عن مؤهلات أحمد عبده ماهر للتشريع والفتوى، ولا عن هيئة الرجل الصارخ حيث يبدو ذاهب العقل من خلال شعره الطويل المتنافر وصياحه الدائم، ولكني أحب أن أوضح أن هذه الشبهة قديمة جدا وقد رد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه كما سنرى ، والرد عليها ميسور وقد أثارها بعض الشيعة رغم أن معظم علمائهم في الفطر على نهج أهل السنة في الإفطار وقت الغروب، أما عن قوله سبحانه وتعالى : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187 فالليل في لغة العرب يبدأ من غروب الشمس وقد جاء في “القاموس المحيط” (1364) : “اللَّيْلُ : من مَغْرِبِ الشمسِ إلى طُلوعِ الفَجْرِ الصادِقِ أو الشمسِ” انتهى .وجاء في “لسان العرب” (11/607) : “اللَّيْلُ : عقيب النهار ، ومَبْدَؤُه من غروب الشمس” انتهى .وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :”وقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) يقتضي الإفطار عند غُرُوب الشمس حكمًا شرعيًا” انتهى. بل نبه بعض المفسرين إلى أن استعمال حرف الجر (إِلَى) في الآية يفيد التعجيل أيضا ، لما تحمله دلالة هذا الحرف من انتهاء الغاية .قال العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله :” (إِلَى اللَّيْلِ) غاية اختير لها (إِلَى) للدلالة على تعجيل الفطر عند غروب الشمس ؛ لأن (إِلَى) لا تمتد معها الغاية ، بخلاف (حتى) ، فالمراد هنا مقارنة إتمام الصيام بالليل ” انتهى.
“التحرير والتنوير” (2/181). والذي أجمع عليه المسلمون ، والذي استمر من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، إلى يومنا هذا أن الصيام يبدأ من طلوع الفجر الصادق ، وينتهي بمغيب قرص الشمس كاملا خلف الأفق ، دل على ذلك الكتاب ، والسنة ، وإجماع المسلمين القطعي .فقد نقل لنا صيام وأفطار الرسول صلى الله عليه وسلم بالتواتر العملي أي جيل صام مع الرسول صلى الله عليه وسلم ونقل لغيره طريقة الصيام حتى وصلت إلينا وهذا أعلى درجات الدقة والصحة التي نقلت بها كل العبادات والفروض وليس فقط الأحاديث الصحيحة .
وهذه الشبهة قد رد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه عندما طلب منه أحد الصحابة تأجيل الإفطار إلى ما بعد الغرب أو المساء والليل ويبدو أنه قد فهم ذلك من الآية فقد روى البخاري (1955) ومسلم (1101) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :(كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ ، فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ : يَا فُلاَنُ ! قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا – أي : اخلط السويق بالماء ، وحركه كي نشربه – فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! لَوْ أَمْسَيْتَ . قَالَ : انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَلَوْ أَمْسَيْتَ . قَالَ : انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا . قَالَ : إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا . قَالَ : انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا . فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :”في الحديث استحباب تعجيل الفطر ، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا ، بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر” انتهى . ” والله أعلم .
د.حربي الخولي